أوروبا في صدد فتح بوابتها

التحول السكاني في أوروبا والعولمة يجبران الاتحاد الأوروبي على طرح مشاريع لاستقطاب يد عاملة من دول الجنوب. الاقتراح الأخير طرحه المفوض فرانكو فراتيني. تقرير دانييلا شرودر من بركسل.

​​

تقف أوروبا على أبواب تحول غير مسبوق في نسيجها السكاني سيؤدي إلى نقص في الأيدي العاملة في دول الاتحاد الأوروبي السبع والعشرين خلال فترة وجيزة. وتتوقع اللجنة الأوروبية أن تفتقر أوروبا إلى عشرين مليون يد عاملة لغاية عام 2030 ولخمس وستين مليوناً لغاية عام 2050.

وتلح اللجنة الأوروبية بشدة على تسهيل عملية استقدام اليد العاملة من أصحاب الكفاءات العالية من خارج دول الاتحاد الأوروبي، لا سيما من الدول الافريقية، وذلك لضمان النمو الاقتصادي والرخاء في ظل المنافسة العالمية. وتجدر الإشارة إلى أن فرانكو فراتيني، مفوض الشؤون القضائية في الاتحاد الأوروبي يخطط لإصدار "البطاقة الزرقاء" على غرار نظام البطاقة الخضراء المعمول به في الولايات المتحدة الأميركية التي تسمح للأجانب بالعمل بموجبها.

البطاقة الزرقاء

وينص تصور البطاقة الزرقاء على اعطاء اليد العاملة الأجنبية المتخصصة، لا سيما الشباب الحاصل على تعليم عالي تصريح عمل في إطار اجراءات مُسرّعة لمدة سنتين في بادئ الأمر، قابلة للتجديد على أن يحصل بعد خمس سنوات على حق الاقامة في جميع دول الاتحاد الأوروبي، كما يرى هذا التصور تعميم القوانين الخاصة بالاقامة على جميع دول الاتحاد الأوروبي.

ويتضمن النموذج تقاضي الشباب أجراً شهرياً يفوق الحد الأدنى للأجور في البلد الذي يعمل فيها. ويعطي هذا التصور دول الاتحاد الأوروبي حرية القرار في اختيار عدد اليد العاملة التي يُسمح لها دخول بلادهم.

بيد أن هذا الاقتراح لا يخلو من الحساسية، فعندما يتعلق الأمر بحق العمل والاقامة يكون رد فعل الحكومات حساس للغاية. فعلى الرغم من تفاهم رؤساء بلدان وحكومات دول الاتحاد الأوروبي السبع والعشرون مبدئياً على وضع أسس وضوابط جديدة للهجرة المنظمة للأيدي العاملة الماهرة وذوي الكفاءات العالية خلال القمة الأوروبية المنعقدة في كانون الأول / ديسمبر الماضي برئاسة رئيسة المجلس الأوروبي السابقة، أنجيلا ميركل، إلا أن النقطة الحرجة تبقى تحديد مدى مسؤولية المفوضية الأوروبية علماً أن فتح أسواق العمل من اختصاص الحكومات المحلية.

وجدير بالذكر أن فراتيني كان قد طرح فكرة البطاقة الزرقاء (البلو كارد) قبل سنتين، إلا أن الفكرة لم تلق آذاناً صاغية. وأعلن فراتيني في كانون الثاني / يناير الماضي خلال محادثاته مع وزراء العدل في دول الاتحاد الأوروبي في مدينة دريسدين الألمانية أنه سيحاول مرة أخرى في خريف العام الحالي.

الحاجة إلى الكفاءات

ويقول شتيفن أنغنندت، الخبير في شؤون الهجرة في مؤسسة العلم والسياسة البرلينية إن "أوروبا ستحتاج في وقت قريب إلى اليد العاملة ذات الكفاءة العالية والشعب الأوروبي يتقبل الأجانب من هذه الطبقة أكثر من غيرها". بيد أننا نفتقد إلى تعريف واضح متعارف عليه ضمن الاتحاد الأوروبي لمستوى الكفاءة، ومن هم أصحاب الكفاءات العالية أو المتوسطة والمتدنية.

والجدير بالذكر أن البرلمان الأوروبي يُطالب بمعرفة نوعية اليد العاملة الماهرة في نظر المفوضية الأوروبية. وفي ورقة صادرة مؤخراً عن البرلمان الأوروبي بخصوص الهجرة القانونية تمت الإشارة إلى اختلاف التعاريف السائدة في دول الاتحاد الأوروبي لليد العاملة الماهرة واحتياجها لها، بالإضافة إلى اختلاف قوانين الاعتراف بالشهادات العلمية.

كما يطالب نواب الاتحاد الأوروبي بإعطاء تصاريح عمل للعاملين في قطاع السياحة والزراعة والبناء مع الإشارة إلى أن تلك القطاعات الاقتصادية ستعاني الأمرّين وتنهار في كثير من دول الاتحاد دون اللجوء إلى اليد العاملة الأجنبية. وستقترح المفوضية تدابير بهذا الشأن في السنة المقبلة. ويطالب البرلمان الاتحاد الأوروبي بالتفكير بجدية في وضع تدابير مشتركة بهذا الشأن لقطاع العناية التمريضية الذي ما برح يشهد ازدهاراً باهراً.

ويدق الباحثون في مجال الهجرة ناقوس الخطر في قطاع العناية التمريضية ويحذرون من عدم وجود ما يكفي من اليد العاملة داخل دول الاتحاد الأوروبي. ويفكر الاتحاد الأوروبي في استقطاب اليد العاملة في هذا القطاع من الدول الافريقية أيضاً.

الهجرة الدائرية

إلا أن المفوض الأوروبي فراتيني يؤكد على ضرورة عدم استقدام الأيدي العاملة من القطاعات التي تلعب دوراً أساسياً في بناء أوطانها ويقترح الاتفاق مع الأوطان الأصلية على القطاعات التي يُسمح للاتحاد الأوروبي استنفاذها. وتهدف الهجرة المؤقتة - التي تُطلق عليها المفوضية اسم "الهجرة الدائرية" إلى التقليل من هجرة المتعلمين والموهوبين، أو ما يُسمى بهجرة العقول.

وأثار وزير الداخلية الألماني، فولفغانغ شويبله ونظيره الفرنسي السابق نيكولاي ساركوزي جدلاً حول الهجرة الدائرية في أكتوبر عام 2006 مفاده السماح للأجانب من خارج الاتحاد الأوروبي بالعمل داخل الاتحاد لمدة أقصاها ثلاث إلى خمس سنوات على أن يعودوا إلى أوطانهم بعد انتهاء المدة ولا يُسمح لهم باستقدام عائلاتهم.

أما المفوضية الأوروبية فتُعرّف الهجرة الدائرية على أنها هجرة متكررة للعمال لسد الحاجات الحالية مؤقتاً في الاتحاد الأوروبي على أن تكون محدودة زمنياً مع ضرورة العودة إلى الأوطان الأصلية. ويطلب الاتحاد الأوروبي من الدول خارج الاتحاد الأوروبي مقابل تقديم فرص الوظائف المؤقتة في أوروبا مساعدته في محاربة الهجرة اللاشرعية وضمان اعادة استقبال المهاجرين لديها عندما يُرحلهم الاتحاد.

ويعتبر المفوض الأوروبي هذا النموذج بمثابة ربح للجانبين. فمن ناحية تستطيع أوروبا تغطية حاجتها في سوق العمل بشكل مرن، ومن ناحية أخرى تستفيد الأوطان الأصلية مما يتعلمه المهاجرون في أوروبا من ثقافة ومما يجمعونه من أموال.

ويرى بعض النقاد في هذا النموذج نسخة جديدة من برنامج استضافة العمالة الأجنبية في الخمسينات وينوهون أن العمال الأجانب لم يرحلوا إلى بلادهم بعد انقضاء مدة عقدهم. ويعتقد الخبير في مؤسسة العلم والسياسة، أنغنندت أن مفهوم الهجرة المتعددة سيكون أنحج من نموذج فرصة الهجرة الوحيدة، وأفضل دليل على ذلك هو استقدام العمال المؤقتين في بعض المواسم.

بقلم دانييلا شرودر
ترجمة منال عبد الحفيظ شريده
حقوق الطبع قنطرة 2007

قنطرة

السياسة الأوروبية المشتركة تجاه اللاجئين
يواجه اللاجئون الذين يحاولون الوصول الى بلدان الاتحاد الأوروبي أوضاعا كارثية، حيث يتعرض الكثيرون منهم الى مختلف المخاطر في البحر او في البلدان التي يمرون بها. أما الاتحاد الأوروبي فيحاول رمي المشكلة الى خارج حدوده. تقرير كتبه كارل كوب

جدار فاصل حول أوروبا
بدلا من أن يرى الاتحاد الأوروبي في الهجرة إلى دوله فرصة سانحة له فإنه يجعل المضمون الأمني جوهر سياسته. نتيجة ذلك: تعزيز الآليات العسكرية على حدوده ونقل مراكز حماية اللاجئين من دول الاتحاد إلى الخارج مع ما يرافق ذلك من تزايد تيارات العداء للأجانب