كل يصلي في بيته والله في كل البيوت

ثمة خلاف الآن بين المسيحيين والمسلمين في قرطبة حول كاتدرائية تحمل إسم "مسجد الكاتدرائية" حيث يطالب المسلمون بالصلاة فيها، تأكيدا لحوار الحضارات، وهو ما ترفضه الكنيسة التي تدعو الى الفصل في الصلاة بين المسيحيين والمسلمين. تقرير كتبه ليو فيلاند.

​​

قرطبة: دأب منصور اسكوديرو على أن يصلي علانية وبغير تحفظ. ولكن لأن أسقف قرطبة لم يسمح له بالصلاة في مسجد الكاتدرائية هناك فرش هذا الأسباني المعتنق للإسلام حديثا سجادة الصلاة أمام هذا المبنى ذي الشهرة العالمية. هناك خلع سكرتير المجلس الإسلامى الأسبانى – الذي يعمل طبيبا للأمراض النفسية – حذاءه ورفع يديه بالدعاء في اتجاه القبلة حتى تعبت أيدي المصورين الملتفين حوله. لم تكن هذه الصلاة سوى مظاهرة سياسية دينية.

عودة المسلمين بعد خمسة قرون

كان ذلك أيضا بمثابة اختبار لقوة الآخر. فبعد خمسمائة عام من طرد المسلمين من الأندلس بدأ المسلمون الذين عادوا من شمال إفريقيا كمهاجرين شرعيين وغير شرعيين بالمطالبة بحقوقهم التاريخية. ويساعدهم في ذلك إخوانهم في الدين من الأسبان حتى وضعوا الكنيسة الكاثوليكية في موقف حرج. فبعد أن فتح المسيحيون عام 1236 قرطبة - التي كانت تعتبر "مكة الغرب" تحت حكم الخلفاء - أصبح الأسقف رئيس مسجد الكاتدرائية من جديد.

إن أسقف قرطبة الحالي السيد خوان خوسيه أسينخو الذي يريد منصور اسكوديرو استمالة قلبه، على حد زعمه – لا يرفض الحوار بصورة مبدئية. إلا أنه لا يوافق على صلاة المسلمين في الكنيسة التي لا يعقد فيها إلا القداس. ويحتج في رفضه أن "ذلك سوف يؤدي إلى بث البلبلة بين المؤمنين" وإلى "الخلط الديني".

إلا أن فرانسيسكو ألكالده رئيس إحدى الجماعات الدينية – التي تعد الآن في فترة الصوم لموكب رائع لأسبوع الآلام – عبر عن ذلك بصورة أوضح ووصف صلاة اسكوديرو العلنية أمام المسجد بـ"الاستفزازية"، وأضاف: "لن يخطر على بالنا أن نسافر إلى مكة ونقيم هناك الصلاة الربانية". وخلص من ذلك إلى القول بأن "كل فرد يصلي في بيته والله موجود في كل البيوت".

تاريخ مسجد الكاتدرائية

يعتبر مسجد الكاتدرالية – كما يدل الإسم – من المباني ذات الخصوصية. فأساس المسجد يرجع إلى معبد يانوس في العصر الروماني. فلما أصبحت المستعمرة الأسبانية مسيحية مع كل الامبراطورية الرومانية أُقيمت كنيسة رومانية في نفس المكان. بعد ذلك جاء العرب في القرن الثامن الميلادي وأسسوا بالحجارة القديمة والرخام الجديد مسجدا يبهر العين ذات أربعمائة عمود تشبه البيت الحرام في مكة.

وبعد الانتصار الكبير الذي أحرزه رجال الدين المسيحي أقيمت في قلب هذا المسجد كنيسة جديدة – بعد التضحية ببعض الأعمدة – ذات هيكل عظيم ومحراب وكنائس جانبية. وفي القرن الخامس عشر سمح القيصر كارل الخامس بتوسيعها على الطراز القوطي. إلا أن القيصر لم يكن قد رأى المسجد من قبل، ولكنه عندما زار قرطبة ذات يوم وأبصر الخليط كان قد فات الأوان. ولم يكن في وسعه سوى التعبير عن أسفه قائلا: "لو علمت ذلك ...".

صدام حسين صلى في مسجد الكاتدرائية

لم يكن حرمان المسلمين من الصلاة في هذا المكان عبر خمسمائة عام منذ سقوط غرناطة عام 1492 حتى اليوم حرمانا صارما. هكذا استطاع أحد الضيوف الرسميين أن يصلي في محراب قرطبة العظيم عام 1974.

كان هذا الضيف الرئيس صدام حسين الذي تناول الطعام قبلها مع الديكتاتور فرانسيسكو فرانكو ونال منه في مقابل زيارته هذا الإستثناء السخي. وفي السنوات التي تلت ذلك في عصر الديمقراطية الأسبانية - حيث كانت هناك صورة جديدة للإستعمار من خلال تركيز شيوخ البترول العرب على منتجع ماربيلا السياحي – شوهد الأمراء السعودييون يصلون في محراب مسجد الكاتدرائية.

رسالة الى البابا

كان منصور اسكوديرو قد راودته فكرة المطالبة بفتح المسجد للمسلمين في قرطبة – البالغ عددهم بضعة آلاف مسلم - منذ عام مشيرا في ذلك إلى مبادرة "تحالف الحضارات". هذا المشروع عبارة عن مبادرة للتفاهم بين الشعوب أسسها رئيس الوزراء الإشتراكي خوسيه لويس ثباتيرو مع حليفه التركي رجب طيب أردوغان.

وفي الخطاب الموجه إلى رئيس الحكومة لم يقترح اسكوديرو "تغيير" استخدام مسجد الكاتدرائية بل أيضا مسجد أيا صوفيا في اسطنبول الذي لا يستخدم حاليا للأغراض الدينية. أخيرا كتب رسالة إلى البابا بينيدكت السادس عشر بنفس المضمون. ولما جاء الخبر إلى قرطبة بأن البابا السادس عشر صلى بصمت في المسجد الأزرق بمدينة إستانبول خلال زيارته الرسمية لتركيا شعر اسكوديرو بأنه على حق. إلا أنه لا يزال ينتظر الرد من الرجلين.

وتورط رئيس مؤتمر الرهبنة في أسبانيا ريكاردو بلاسكيث في الموضوع كما لو كانت المسألة ليست معقدة بالقدر الكافي، فقال على الهامش وبحسن نية قبيل عيد الميلاد المجيد: "إنه إذا دخل بعض المسلمين إلى المسجد وصلوا في المحراب فلا ضرر في ذلك".

لكن لا أحد من أعضاء الفاتيكان أو من أعضاء مؤتمر الرهبنة أو كليهما معا كان يحمل نفس الرأي كما يبدو. هكذا تم تصحيح أقوال بلاسكيث بعد يوم ببيان رسمي لمنظمته يقول "إن أسقف مدينة بلباو لم ولن يوصي" بصلاة المسلمين في مسجد الكاتدرائية. وللتأكيد أضافوا في تصريحهم أن "السلطة الوحيدة التي تملك القرار في هذه المسألة هي أسقف قرطبة الذي يخضع للكرسي المقدس".

السياسيون يتدخلون أيضا

في مثل هذه الكثرة من الجدل والمناقشات لم يغب رجال السياسة المحليين. في قرطبة يحكم "إتحاد اليسار" وهو اتحاد بين الخضر والشيوعيين الذين يتفاعلون بحساسية مع المطالب المحتملة للناخبين من الغالبية الكاثوليكية. ولم يرض الشيوعيون ولا الاشتراكيون في رئاسة المدينة الضرر لأنفسهم وكتبوا توصية لا معنى لها تقول بأن الصلاة في المسجد من الأمور التي تتعلق بـ"الحوار بين الأديان" وليست من مسؤوليات إدارة المدينة.

وأقدم رئيس الشيوعيين في قرطبة انريكو كنتيلا على وصف تصرف منصور اسكوديرو بـ"السيرك" ونعته وهو يصلي بـ"المهرج". وأوضح أنه شخصيا ليست لديه انجازات فيما يتعلق بالكاثوليك أو المسلمين. إنه هو ورفاقه "ليسوا من هؤلاء ولا هؤلاء".

بينما يتذكر رجال السياسة في قرطبة السابع والعشرين من مايو / أيار، اليوم الذي يتوجه فيه إخوانهم في الدين وأقربائهم إلى صناديق الإقتراع تجاهل المنسق العام لـ"اتحاد اليسار" كاسبار لامازارس من مدريد البعيدة المسألة الأندلسية الحساسة، وقال أن طلب المسلمين بالصلاة في مسجد الكاتدرائية "ممكن شرعا" وطالب المدينة أن تسعى جاهدة لـ"احترام" يتجاوز كل الأديان.

توصية إنتخابية

فيما دعا مثل هؤلاء الرفاق في الفترة التي تسبق عيد الفصح إلى "صلاة تجمع أديانا مختلفة" في مسجد صغير "مهيّأ" بقرطبة ترك منصور اسكوديرو مبادرته جانبا بعض الوقت من أجل السلام. وقد أبلغ المجلس الإسلامى الأسبانى أنهم لا يتنازلون عن "المطلب الشرعي" ولكنهم يريدون إخماد الموضوع لفترة من الزمن. إلا أن المجلس كان قد أعد في نفس الوقت توصية انتخابية للمسلمين، ألا وهي أن يعطوا أصواتهم لـ"لأحزاب التقدمية مثل الإشتراكيين والشيوعيين".

ليو فيلاند
ترجمة عبد اللطيف شعيب
حقوق الطبع فرانكفورتر ألغماينه تسايتونغ / قنطرة 2007

قنطرة

تعايش الأديان في الماضي
جامع قرطبة يدعو مارك كوهين، أستاذ في جامعة برنستن الأمريكية، المسلمين واليهود إلى إعادة اكتشاف الثقافة المشتركة التي كانت تجمعهم في العصور الوسطى. ويعرض في مقاله أسباب اختلاف تعامل المجتمع الإسلامي والمسيحي مع الأقلية اليهودية في تلك الحقبة

أنطولوجيا "أعجوبة الأندلس"
لقد نجح صاحب "أعجوبة الأندلس"، جورج بوسونغ، في الخروج بأنطولوجيا شعرية تميزت بالدقة اللغوية القصوى إلى جانب ما تمنحه من متعة في القراءة، وقد جمع مختارات شعرية تعكس الروح الأندلسية الثرية. تقرير كريستوف لايستن.