أحلم بعراق جديد ...

طلبنا من الباحث الاجتماعي العراقي إبراهيم الحيدري المقيم في لندن أن يكتب لنا عن عراق المستقبل الذي يحلم به وعن أهم القضايا التي يجب أن يهتم بها مجتمع ما بعد عهد صدام.

أحلام و توقعات

إبراهيم الحيدري

الحقيقة لم أكن اتوقع و لم يتوقع غيري ان يتم سقوط النظام بهذه السرعة المذهلة، هذا النظام الذي دق أعناق الشعب العراقي بالحديد والنار وعلى اعواد المشانق، بعد ان سرق الحلم و الأمل من عيون الناس. وأن تكون النهاية صدمة سريعة ومذهلة لتاريخ أسود كتب بالدماء و الدموع. لذا علينا، نحن العراقيين، أولا التعرف على الذات ونقدها قبل الدفاع عنها وجلدها، في محاولة لتجاوز وضعنا والسيطرة على وجودنا و إعادة الاعتبار الى ذاتنا المنكسرة، وثانيا محاولة تنمية وعي اجتماعي جديد و هوية وطنية واحدة تسعى الى بناء مجتمع مدني يقوم على الحرية والتعددية واحترام حقوق الانسان ومشاركة جميع القوميات والاديان والطبقات والطوائف الاجتماعية فيه، و نبذ ثقافة العنف التي زرعها النظام البائد التي تربت عليها أجيال صدام والتخلص من رموزه وجلاوزته الذين يقومون بالنهب والسلب والحرق والتدمير تشفيا وانتقاما، بعد ان فقدوا سلطتهم على الشعب.

احلم بعراق جديد خال من الاستبداد الأبوي و القمع والقهر والخضوع لعبادة الشخصية. عراق ينعم بالاستقرار و السلام و التسامح، فيكفينا ما دفعناه من ثمن باهظ من الدماء و الدموع. أحلم بوطن لجميع العراقيين، يحتضن الجميع و يلملم جراحاتهم و يمسح دموعهم ويجعلهم يحلمون بدون خوف في وطن جديد يشعرون فيه ولأول مرة، بأنهم أحرار يذوقون طعم الحرية، و في ذات الوقت مرارة الندم، فالوطن هو الحرية و الأمن و الرزق والصحة ورعاية الطفولة و الشيخوخة، وطن تتحول فيه الرشاشات الى أقلام والدبابات الى كتب وكومبيوترات.

و مع أنني في منتصف الستينيات من العمر، فمازلت أحلم بعراق ديمقراطي أمارس فيه حقي في انتخابات حرة و أن أذهب الى صندوق الاقتراع بحرية وكرامة و أن انتخب من أشاء، و لو لمرة واحدة في حياتي قبل ان أموت، و أشعر أن لي وطن وهوية.

إن أول خطوة نخطوها هو الوقوف أمام العنف وممارسة التسامح والتعايش السلمي، التي تبدأ بوعينا بخطورة ثقافة العنف التي تعطي للعنف مساحة أكبر واستبدالها بثقافة التسامح عن طريق التفاهم والحوار العقلاني واحترام الرأي والرأي الآخر. فالعنف لا يمثل فضيلة، بقدر ما يمثل تعديا على الآخر المختلف. وإذا كان العنف فضيلة الإنسان القوي فالتسامح لا يمثل سوى ضعف الانسان الذي تعوزه الشجاعة لأن يكون متسامحا، و إن قوة التسامح تكمن في مبدأ ان تعيش و تترك الآخر يعيش بسلام.

إبراهيم الحيدري (1936) ولد في بغداد، درس علم الاجتماع في برلين الغربية، عمل أستاذا في جامعتي بغداد وعنابة/الجزائر، يقيم ويعمل حاليا في لندن. له 9 مؤلفات، يحمل كتابه الأخير عنوان: النظام الأبوي وإشكالية الجنس عند العرب، صدر عن دار الساقي 2003.