مفاوضات الملف النووي أمام طريق مسدود

الاحتجاجات الدولية جعلت الرئيس أحمدي نجاد محط الأنظار وبدأ ينظر إليه في صفوف مؤيديه على الأقل على أنه "بطل" يجرؤ على التصدي للولايات المتحدة الأمريكية ولإسرائيل ورفع علم الإسلام عاليا. تحليل بهمان نيرومند

مظاهرة بمناسبة ذكرى اندلاع الثورة الإسلامية في إيران، الصورة: أ ب
منذ اندلاع الثورة الإسلامية 1979 أصبحت التهجمات الكلاميةعلى الولايات المتحدة وعلى إسرائيل وعلى الغرب بشكل عام جزءا من الأعراف السياسية.

​​ الاحتجاجات الدولية جعلت الرئيس أحمدي نجاد محط الأنظار وبدأ ينظر إليه في صفوف مؤيديه على الأقل على أنه "بطل" يجرؤ على التصدي للولايات المتحدة الأمريكية ولإسرائيل وعلى التضامن مع الفلسطينيين ورفع علم الإسلام عاليا. تحليل بهمان نيرومند

لم تؤت المحادثات التمهيدية المتعلقة بالبرنامج النووي الإيراني والتي جرت في فيينا بتاريخ 21 ديسمبر/كانون الأول كما هو متوقع بأية نتيجة. وكل ما تم هو أن ثلاثي الاتحاد الأوروبي المؤلف من ألمانيا وفرنسا وبريطانيا اتفق مع إيران على استئناف اللقاء مجددا في يناير/كانون الثاني المقبل لا أكثر من ذلك.

ووصف رئيس المفوضين الفرنسيين ستانسلاف لابولايي المحادثات بأنها "صريحة ومبنية على المصداقية" مما يدل ربما على أنه أراد من خلال هذا التعبير أن يشدد على كون الطرفين قد طرحا موقفيهما على نحو واضح. وتدل المؤشرات على أن هذين الموقفين ما زالا يتسمان بفروق لا يمكن تجاوزها.

وكانت موسكو قد اقترحت، رغبة منها في حل النزاع بالطرق السلمية، السماح لإيران بتحويل اليورانيوم فوق أراضيها على أن يتم تخصيبه وإنتاج المحروقات نفسها في روسيا.

وقد وافقت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على هذا الاقتراح علما بأنهما كانا على يقين بأن إيران سترفضه. من هنا لم يتبق أمام روسيا سوى اعتماد خيار فرض العقوبات على إيران من قبل مجلس الأمن الدولي.

تصلب في الموقف الإيراني

بالفعل فقد رفضت إيران المقترح الإيراني حيث قال حسين منتظمي المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الإيراني في لقاء له مع جريدة "الشرق" اليومية " إننا نرحب بكل مبادرة، لكننا لن نوافق على أي اقتراح يحرم إيران من حقها المشروع في إنتاج محروقات اليورانيوم فوق أراضيها بهدف الاستفادة السلمية من الطاقة النووية". في حالة تمسك كلا الطرفين التفاوضيين بموقفيهما المختلفين سيكون من الصعب تفادي طرح هذه المسألة أمام مجلس الأمن الدولي.

هناك تصلب في النزاع الراهن منذ انتخاب محمود أحمدي نجاد رئيسا لإيران في يوليو/تموز 2005. صحيح أن سلفه، محمد خاتمي، تمسك أيضا بحق كل دولة بما في ذلك إيران في إنتاج المحروقات النووية فوق أراضيها وفقا لاتفاقية نزع السلاح النووي.

لكن خاتمي كان قد أبدى استعداده لاعتماد حل وسط فيما اتخذ أحمدي نجاد منذ بادىء الأمر خطا مبنيا على المواجهة. هنا يطرح السؤال نفسه عن الأسباب التي تدفع أحمدي نجاد إلى التمادي في تصعيد الأخطار التي تهدد بلده والناجمة عن مواقفه الاستفزازية. هل يعود ذلك إلى الغباء والسذاجة أم إلى التكتيك أم إلى رسوخ في القناعة لديه؟

لا ينتمي أحمدي نجاد إلى شرائح المثقفين، ولا يوجد في منظوره إلا الأصدقاء أو الأعداء لا غير ذلك. وهو يعتقد بأن دار الإسلام محاصرة من قبل عالم غربي يسوده الانحطاط والكفار وفي الداخل أيضا من معارضين وإصلاحيين يعتبرهم دمى مسيرة من قوى أجنبية.

سياسة مبنية على قلة خبرة وسذاجة

خبرته في السياستين الداخلية والخارجية تكاد أن تكون شبه معدومة. وهو لا يستند إلا على الشعارات الغوغائية التي يستخدمها إرضاء لفئات "المحرومين والمهانين" الذين وعدهم بالإنقاذ من محنتهم. هذا وينتقل أحمدي نجاد من مدينة إلى أخرى ليلقي فيها خطبا طنانة ويكشف ماهية أعداء البلاد ويثير مشاعر الخوف وأحاسيس الكراهية في نفوس الناس.

وقد وصف حكومة سلفه خاتمي بأنها "فاسدة". ومنذ توليه منصب الرئاسة قام بفصل مئات من موظفي الدولة المتحلين بالخبرة ليضع محلهم أصدقاء أو أقرباء له يتسمون بالجهل. فقد عزل في بحر ليلة وضحاها سبعة محافظي مصارف تابعة للدولة دون أي سابق إنذار كما فصل 40 سفيرا.

كما أنه عهد لشاب يبلغ من العمر 26 عاما مهمة إصلاح البورصة التي باتت أوضاعها متداعية منذ عدة شهور. ومعظم أعضاء حكومته كانوا يعملون في السابق في الحرس الثوري المحلول أو في أجهزة المخابرات.

أما الاقتصاد فإنه يمر بحالة من القلق والبلبلة مما دفع العديد من أصحاب الأعمال إلى تحويل رؤوس أموالهم إلى الخارج فيما باتت استثمارات الأجانب في إيران شبه معدومة. أي أن الوضع أسوأ من حالة الفوضى نفسها.

تحالفات جديدة

ألحق الرئيس أضرارا في حقل السياسة الخارجية أيضا. وهو يهتدي بمبدأ قوامه الابتعاد عن الغرب والاقتراب من الشرق. إذ يريد تعزيز العلاقات مع روسيا والصين والهند وإنشاء تحالف يضم الدول المسلمة وتتبوأ فيه إيران كقوة إقليمية كبرى مرتبة الريادة.

انطلاقا من هذا الهدف الاستراتيجي عمد في سياق النزاع النووي إلى اعتماد خط المواجهة مقوضا من خلال ذلك أعمدة كل المساعي التي بذلها سلفه خاتمي. بعد ذلك بدأ يشن هجومه الصارخ على إسرائيل.

لو لم يكن صدى ذلك الهجوم في الغرب على هذا النحو من الاستياء لما كان أحد قد أولاه أدنى اهتمام. فهذه الشعارات يسمعها المواطنون في إيران منذ 26 عاما مما جعلهم يشعرون بالضجر حيالها. على وجه العموم تخالج الأغلبية الساحقة للسكان مشاعر السخرية تجاه الرئيس.

وقد تبين في هذه الأثناء حتى للمحافظين أنفسهم الذين عقدوا من خلال فوز أحمدي نجاد في انتخابات الرئاسة الأمل في الانفراد بالسلطة على نحو مركزي بأنه ليس بالإمكان تقبل خط هذا الرئيس الجديد. حيث ازدادت في صفوفهم باطراد حدة النقد الموجه له. وعمد البرلمان بأغلبيته المحافظة المطلقة مرارا إلى رفض مقترحات الرئيس الخاصة بتعيين وزراء جدد.

ردود فعل متحفظة في إيران

نجمت في سياق سياسة أحمدي نجاد الخارجية أيضا بما في ذلك تهجمه على إسرائيل ردود فعل نقدية حادة. ولوحظ أن الصحافة المحافظة نفسها قد أوردت تصريحات الرئيس بشكل متحفظ ودون التعليق عليها. وطالب بعض نواب البرلمان المحافظين بعقد جلسة استثنائية لمجلس النواب.

أما حزب المشاركة الذي يشكل التنظيم السياسي الأقوى للإصلاحيين فقد وصف تلك التصريحات في بيان علني صادر عنه بأنها "سموم مميتة نابعة من أيديولوجيات النزعة الأصولية". وجاء في بيان الحزب المذكور بأن "مثل هذه التصريحات تلحق بالبلاد أضرارا جسيمة في الحقلين السياسي والاقتصادي كما أنها تهدد على نحو متزايد أمن الدولة".

ومع أن أحمدي نجاد لم يتول منصب الرئاسة إلا قبل شهور قليلة فقد بدأ كرسي حكمه يهتز بشدة. وهناك حتى شائعات تتناقل بأن أصحاب السلطة الحقيقية الناشطين من وراء الكواليس قد بدءوا يخططون لعزله من منصبه.

لكن الاحتجاجات الصادرة من خارج البلاد جعلت الرئيس يصبح فجأة في محط الأنظار والاهتمام. فمع أن فشله أصبح أمرا وشيكا فقد بدأ ينظر إليه ولو في صفوف مؤيديه على الأقل على أنه "بطل" يجرؤ على التصدي للدولة العظمى أي للولايات المتحدة الأمريكية ولأكبر قوة في الشرق الأوسط أي إسرائيل وعلى التضامن مع المشردين الفلسطينيين ورفع علم الإسلام عاليا.

هذا ويأمل أحمدي نجاد من هذا الموقع في تعزيز أركان قوته وفي صرف الاهتمام عن الفشل الذي باء به حكمه وعن حالة الفوضى التي أوجدها. لهذا ليس من المدهش أن يقف موقف اللامبالاة حيال النقد الموجه له وأن يعمد إلى تصعيد تصريحاته.

تفسير ردود الفعل الدولية

هل يتحتم علينا أن نأخذ هذا الرجل مأخذ الجد؟ الإجابة هي لا ونعم في نفس الوقت. بوسعنا أن نطوي على نحو أكيد ملفه الخاص بتهديد إسرائيل بمسحها من خريطة العالم. فإيران لا هي راغبة ولا قادرة على توجيه هجوم ضد إسرائيل ناهيك عن كونها غير قادرة على إفناء إسرائيل.

هذه التهجمات الكلامية أصبحت منذ تأسيس الثورة الإسلامية جزءا من الأعراف السياسية التي يسمعها المرء في كل خطبة من خطب صلاة جمعة. أما الأسباب التي أفرزت هذه المرة حدا كبيرا من الاستياء فتعود ربما لكون هذه التهجمات تصب تماما في وعاء السياسة التي تنتهجها الولايات المتحدة حيال إيران.

من هذا المنظور توجب علينا أن نأخذ تصريحات أحمدي نجاد مأخذ الجد على نحو حقيقي. ولو لم يتواجد هذا الرجل في موقعه الحالي لما كان بوسع الولايات المتحدة وإسرائيل أن "يخترعا" شخصا أنسب منه بالنسبة لهما.

فالمعروف أن واشنطن أعلنت عن نيتها في عزل إيران وفرض عقوبات عليها بل حتى خلع النظام الحاكم فيها من خلال تدخل عسكري فيما لو لم تؤت الإجراءات الأخرى بالنتائج المرجوة. ويبدو أن إسرائيل قد عقدت بدورها النية تدريجيا على تنفيذ خططها الموضوعة حاليا في الأدراج بشأن القيام ب "هجمة وقائية" ضد إيران.

لو قرر مجلس الأمن الدولي بالفعل فرض عقوبات على إيران أو لو شن حتى هجوم عسكري على هذه الدولة بغض النظر عن طبيعته، فإن الجماهير هناك ستقف بجانب أحمدي نجاد.

وحتى معظم الأطراف المنتقدة لسياسته ستعمد في هذه الحالة إلى مساندته شاءت ذلك أم لم تشأ. هذا الوضع سيكون بالنسبة لأحمدي نجاد مدعاة للفرحة، أما بالنسبة لإيران نفسها وللمنطقة بكاملها بما في ذلك إسرائيل فسوف يفرز هذا الوضع نتائج وخيمة العواقب.

بقلم بهمان نيرومند
ترجنة عارف حجاج
حقوق الطبع قنطرة 2005

بهمان نيرومند صحفي إيراني مقيم في برلين.

قنطرة

نقص في التجربة السياسية
يتمنى الرئيس الإيراني على ما يبدو أن تعود عجلات التاريخ إلى الوراء وتحديدا إلى الأيام التي تلت انطلاق الثورة الإسلامية في إيران، هكذا يمكن تفسير تصريحات ومواقف أحمدي نجاد الأخيرة تجاه المجتمع الدولي. تعليق بيتر فيليب

حوار مع شيرين عبادي
نزاع نووي وكلمات رنانة. إن ما يصدر عن إيران في الشهور الماضية يدعو إلى القلق. ولكن شيرين عبادي لا تزال تمارس عملها هناك، السيدة التي منحت قبل عامين جائزة نوبل للسلام. حوار أدارته كاترين اردمان مع المحامية شيرين عبادي في طهران.