التصدي لتزييف الانتخابات وشراء الأصوات

تسعى الحكومة اللبنانية لأن تظهر أن الانتخابات البرلمانية الجارية حاليا ديموقراطية. لذلك سُمح لمراقبين انتخابيين عالميين بالمشاركة، بالإضافة إلى مراقبين ينتمون إلى جمعيات أهلية لبنانية. برنهارد هيلنكامب يعرفنا بجمعية ناشطة في هذا المجال.

نصار سعد الدين الحريري في لبنان، الصورة: أ ب
ثلاثة ملايين مواطن لبناني مدعو للمشاركة في الانتخابات البرلمانية.

​​تسعى الحكومة اللبنانية لأن تظهر لمواطنيها ولكافة دول العالم أن الانتخابات البرلمانية الجارية 2005 انتخابات ديموقراطية. لذلك سُمح لمراقبين انتخابيين عالميين بالمشاركة، بالإضافة إلى مراقبين ينتمون إلى جمعيات أهلية لبنانية. برنهارد هيلنكامب يعرف بالجمعية اللبنانية من أجل ديموقراطية الانتخابات.

ثلاثة ملايين مواطن لبناني مدعو للمشاركة في الانتخابات البرلمانية، التي تجري في أربعة أيام أحد في شهري أيار وحزيران. تمتلئ الشوارع في بيروت بالكثير من الإعلانات الانتخابية للمرشحين المتنافسين على مائة وثمانية وعشرين مقعد برلماني، وأكثرهم من الرجال.

نقرأ في معظم هذه الإعلانات إسم المرشح أو المشاركين في قائمة انتخابية فقط، أو فيما يندر انتماء المرشحين الطائفي. ولا نكاد نرى في الاعلانات شعارًا لحزب ما أو اسم حزب.

تعم أجواء الانتخابات المتجر الصغير الخاص بمحمد س.، والذي يقع في زقاق البلاط في بيروت الغربية. يقول محمد: "لقد قلت لأنصار الحريري، إذا كانوا يريدون - ويدفعون لقاء ذلك - فسأحضر أبنائي من ألمانيا وأدعهم يصوّتون للحريري". فشراء الأصوات والتزييف في الانتخابات ليست بالأمور النادرة في لبنان.

وبهدف التصدي لذلك، اجتمع في عام ١٩٩٦ رهط من الأكاديميين والطلاب والمدافعين عن حقوق المواطنين، وقاموا بتأسيس الجمعية اللبنانية من أجل ديموقراطية الانتخابات (LADE). "أردنا أن نتعلم من التجارب التي خيضت في أوروبا الشرقية"، على حد قول كرم كرم، وهو عضو تأسيسي سابق وحاليًا مدير مشروع المراقبين الانتخابيين في الجمعية اللبنانية من أجل ديموقراطية الانتخابات:

"جاءت مبادرتنا لتعوِّض أيضًا عن جزء من خيبة الأمل السياسية العامة. كان كل من وزارة الداخلية والنخب السياسية يزيِّفون العملية الديموقراطية. أردنا أن نفعل شيئًا ضد ذلك". تسعى هذه الجمعية إلى توطيد الوعي الديموقراطي وتنوير اللبنانيين في حقوقهم السياسية. لقد كانت الطريق لذلك ولا زالت طريقًا وعرة.

شقة في بيروت الغربية

كانت الدولة، وقبل كل شيء وزارة الداخلية، مرتابة من الجمعية اللبنانية من أجل ديموقراطية الانتخابات، فأرسلت "مراقبين حكوميين" إلى المراقبين الانتخابيين؛ بيد أن مراقبي الدولة ما استطاعوا إلاّ تقديم تقرير عن منظمة صغيرة غير حكومية تتخذ من فيلا في شارع حيوي في بيروت الغربية مقرًا لها.

يدير أعمال الجمعية اللبنانية من أجل ديموقراطية الانتخابات في الفترات التي تخلو من الانتخابات شخص واحد. أما حاليًا فهناك ثلاثة مستخدمون يعملون في الجمعية أيام عمل كاملة. ومكتبهم الصغير مغمور بالحيوية. يأتي للتو شاب درزي عمره حوالي عشرين عام، في زي تقليدي، شروال وقلنسوة، ليأخذ من المكتب قائمة بأسماء كل من لديهم حق في الانتخاب من أبناء بلدته.

يصف هذا الشاب الأوضاع قائلاً: "كثيرًا ما تحصل لدينا في الجبل خروقات متعددة، فالكثير من الناخبين يعيشون في الخارج، وبعضهم توفى قبل حين، لكنهم لا زالوا مدرجين على القائمة. تُستغل هذه الخروقات من قبل وليد جنبلاط. ففجأة يأتي أناس غرباء مصطحبين معهم البطاقة الانتخابية ويصوّتون عن غيرهم".

يوضح كرم لهذا الشاب، أنه يجب أن يسجّل ذلك في محضر ويوقّع عليه باسمه. إذ لا يتم أي شيء في الجمعية اللبنانية من أجل ديموقراطية الانتخابات من دون شهادات ذات استنادات قانونية. لقد أدت تقارير الجمعية حتى الآن إلى إعادة الانتخابات في دوائر مختلفة لأربع مرات.

مراقبة الإعلام

وبحسب تقدير كرم سوف يكون لدى الجمعية في أيام الانتخابات حوالي خمسمائة متطوع لمراقبة الانتخابات. ومن ضمنهم أيضًا يارة. التي تجلس خلف منضدة وتقرأ وتقص مقالات من جرائد. وعملها هذا هو قسم من مشروع آخر ترعاه الجمعية اللبنانية من أجل ديموقراطية الانتخابات: مراقبة التقارير الإعلامية حول الانتخابات في وسائل الإعلام.

تَدْرس يارة العلوم السياسية في الجامعة اللبنانية: "كل أصدقائي يعملون في السياسة. أريد أن أمارس العمل السياسي بشكل آخر، لهذا السبب أشارك في هذه الأيام في الدورة التمهيدية الخاصة بالمراقبين الانتخابيين لدى الجمعية اللبنانية من أجل ديموقراطية الانتخابات. سوف أقوم في أيام الانتخابات الأربعة باعتباري متطوعة بتوثيق الخروقات التي تجري أثناء الانتخابات".

والمشاكل التي تحدث في الانتخابات متنوعة، على حد وصف كرم: "الناخبون الأموات والمسافرون لا يشكلون إلاّ أحد وجوه المشكلة. إذ يحاول المرشحون الحصول على أكبر عدد من الأصوات. وكثيرًا ما يتعذّر توثيق ذلك. على سبيل المثال تم في الشمال منح عدد كبير وملفت للنظر من تراخيص البناء. فمن الممكن أن يتحول هذا الشيء إلى موضوع أيضًا".

بعد الانتخابات البرلمانية والبلدية الأخيرة تكوّنت قاعدة من الناشطين. حيث تتعاون جامعات ومنظمات غير حكومية وكذلك مجموعات سياسية مع الجمعية اللبنانية من أجل ديموقراطية الانتخابات، وذلك من أجل تهيئة المتطوعين الذين معظمهم من الشباب. ولذلك الهدف تم استئجار مكاتب في كل أنحاء البلاد لمدة شهرين. تجمع فيها المعلومات حول من الناخبين ويتم فيها تدريب المتطوعين.

والآن تجلس يارة في دورة تأهيلية ومن حولها خمسة عشر شخص أغلبهم من الشباب، يستمعون لتفاصيل القانون الانتخابي والعملية الانتخابية. تطرح في هذه الحلقة أسئلة كثيرة وفي النهاية لا يبقى على المشاركين إلاّ أن يملؤوا استمارة ويرفقوا معها صورة شخصية، ثم يطلبوا هوياتهم من وزارة الداخلية كمراقبين انتخابيين.

"لقد سمح لنا وزير الداخلية الجديد الدخول إلى مراكز الاقتراع، إذ تم اعتمادنا في هذه الانتخابات لأول مرة بشكل رسمي. فالحكومة تسعى إلى أن تظهر لمواطنيها ولكافة دول العالم، أن هذه الانتخابات انتخابات ديموقراطية. كذلك سُمح لمراقبين انتخابيين عالميين بالمشاركة. وهكذا تحسنت مواقف الحكومة مع مسألة الرقابة الانتخابية". مما يعتبر نصر مرحلي في لبنان.

تفاؤل بالمستقبل

قامت الجمعية اللبنانية من أجل ديموقراطية الانتخابات حتى الآن بالاتصال مع مبادرات أخرى في العالم العربي، كما درّبت مراقبين انتخابيين في اليمن وفي العراق. يقول عمر بابتسامة عريضة وبالكثير من التفاؤل، هو عامل آخر في الجمعية اللبنانية من أجل ديموقراطية الانتخابات:

"سوف ندرّب في الانتخابات البلدية التي أُعلن عن نية اجرائها في سورية عام ٢٠٠٧، مراقبين انتخابيين يشرفون على مراكز الاقتراع - إن شاء الله".

بقلم بيرنهارد هيلِّنكامب
حقوق الطبع قنطرة 2005 ©
ترجمة رائد الباش

قنطرة

الحرب الأهلية اللبنانية في ذاكرة الشباب
بمناسبة الذكرى الثلاثين لاندلاع الحرب الأهلية اللبنانية قامت أمم للتوثيق والأبحاث ببيروت بورشة عمل شبابية، اشترك فيها 25 شابا وشابة لتبادل ذكرياتهم عن الحرب الأهلية وتوثيقها. تقرير بيرنهارد هيلينكامب

إلغاء الطائفية هو أكبر تحدي يواجه المجتمع المدني في لبنان
بعد اغتيال رئيس الوزارء السابق رفيق الحريري تظاهر الآلاف مطالبين بانسحاب السوريين واستقالة الحكومة. هل هذه الحركة الجماهيرية بداية انطلاق مجتمع مدني حقيقي في لبنان؟ حوار مع عمر طرابلسي مدير منظمة "مجموعة الأبحاث والتدريب للعمل التنموي".

www

الجمعية اللبنانية من أجل ديموقراطية الانتخابات