الإصلاح هو الحل الوحيد

خلال الأشهر الماضية أضحت المملكة السعودية هدفا للعمليات الإرهابية. القوى الدينية المتعصبة تحاول إضعاف ارتباطات المملكة بالعالم الغربي، بينما تقف في وجه هذه القوى أقلية تحاول الدعوة إلى مزيد من الانفتاح. الصحفي الألماني راينهارد باومغارتن ينادي بضرورة القيام بإصلاحات.

الصورة: أ ب

​​خلال الأشهر الماضية أضحت المملكة السعودية هدفا للعمليات الإرهابية. القوى الدينية المتعصبة تحاول إضعاف ارتباطات السعودية بالعالم الغربي، بينما تقف في وجه هذه القوى أقلية ممن يحاولون الدعوة إلى مزيد من الانفتاح والتسامح. الصحفي الألماني راينهارد باومغارتن ينادي بضرورة القيام بإصلاحات.

أخيرا أدركت أصبحت القيادات السعودية الخطر الذي يتهدد سلطتها من طرف المتعصبين: 15 من مجمل 19 من منفذي عمليات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول كانوا من أصل سعوديّ. وقد تطلب الأمر أكثر من سنة من الزمن كي ما تعترف الجهات الرسمية في الرياض بهذه الحقيقة. والآن هاهم الإرهابيون يقتلون داخل مملكتهم.

غير أنّ مساءلة النفس عن الأسباب والخلفيات التي تكمن وراء هذا الإرهاب الذي ينتجه المجتمع السعودي تظل من المسائل التي لا تعني أصحاب السلطة والماسكين بزمام الحكم في المملكة السعودية. هكذا يصرح الدكتور عبد الرحمن زميل مقرب من العائلة المالكة وعضو في مجلس الشورى الذي يضم 120 شخصا:

"إن المملكة العربية السعودية لم تنجب أبدا إرهابيين. الأميركيون هم الذين بعثوا بالمتطرفين إلى الوجود، فقد جاؤوا خلال الثمانينات لا إلى السعودية فقط، بل وكذلك إلى مصر والجزائر وفلسطين والعراق وباكستان وانتدبوا كل هؤلاء المتطرفين من أجل محاربة الشيوعية في أفغانستان."

الجذور الداخلية

صحيح أن آلاف الشبان السعوديين قد انتقلوا خلال الثمانينات إلى أفغانستان. وصحيح أن الكثير منهم قد عوملوا داخل السعودية بعد عودتهم من أفغانستان كإرهابيين محتملين وبذلك تم الدفع بهم على ما يبدو إلى مزيد من التطرف. لكن هذا لا يمثل سوى وجها من العملة حسب رأي المفكر تركي الحمد:

"لدينا هنا الخطاب الديني والأفكار التي تنشأ عنها تربية الإرهابيين. وقد ذهب هؤلاء إلى أفغانستان والشيشان وكل تلك البلدان كي يعودوا بفكرة أنه قد غدا بإمكانهم أن يحكموا على كل شيء وكل أحد وأن يكفّروا من يشاؤون. هناك خليط من هاتين الحقيقتين، لكننا لا نستطيع أن ننكر الجذور الداخلية للأفكار الإرهابية."

إن نظام القيم السائد في السعودية والذي يقوم على التحالف الذي عقد قبل ما يزيد عن المائة سنة بين قبيلة آل سعود والمذهب الوهابي هو الذي مهد الطريق إلى التطرف كما يرى تركي الحمد:

"هناك قيم محددة ينبغي أن يتم نشرها عن طريق نظامنا التربوي مثل التسامح والعلاقات مع الآخر كإنسان وكجنس مغاير، لا كـ "كافر". هناك قيم لا بدّ أن تغرس في أدمغة أطفالنا كي نتوصل إلى مجتمع جديد. وإذا ما واصلنا تعليم أطفالنا الحقد وعدم التسامح فإنهم سينشؤون ويكبرون على ذلك، ويتم بالتالي تأسيس المحيط الذهني الملائم للإرهاب. وهكذا لايسعهم سوى أن يظلوا هناك في انتظار من سيأتي لتجنيدهم."

ويفيد استفتاء للرأي أجري بين أغسطس/آب ونوفمبر/تشرين الأول 2003 لدى 15 ألف سعوديا بأن حوالي نصف المستجوبين يشعرون بتعاطف مع الزعيم الإرهابي بن لادن. وبالنسبة لتركي الحمد لا يعد هذا الأمر مفاجئا:

"لدينا على سبيل المثال أطباء ومهندسون جيدون لكن عقولهم مليئة في الوقت نفسه بالأفكار الإرهابية وذلك بسبب القيم التي لقنت لهم."

إلى حدّ الآن ظلت القيادات السعودية تجند قوى الأمن بالمقام الأول لمحاربة الإرهاب. غير أن هذه الوسيلة تتجه فقط لمعالجة الأعراض وليس إلى مقاومة الداء نفسه، كما يرى تركي الحمد.

المصادمات مستمرة

كل المؤشرات تدل على أن الوضع ما يزال يسير باتجاه المصادمات داخل السعودية وذلك بالرغم من النجاحات التي حققت أخيرا ضد الإرهابيين. ففي ظرف سنة قد توصلت قوى الأمن السعودية إلى قتل ثلاثة من العناصر القيادية المحتملة في حركة القاعدة، وآخرها عبد العزيز المُقرن بالرياض.

لكن القياديين السعوديين لا يريدون أن يدركوا أنه لا بد من تجفيف الينابيع إذا ما كانوا يبتغون تجفيف المستنقع الإرهابي بصفة نهائية. أما الإصلاحيون من أمثال تركي الحمد فيريدون تغيير المحيط الذهني.

إنهم يريدون البدء من الجذور، أي من موقع تعليم وتربية الناشئة. وذلك يعني بصفة ملموسة ضرورة تحوير البرامج التعليمية، وأن تركز محتويات المنهج التعليمي أكثر على متطلبات العالم الحديث.

لكن أشخاصا آخرين من أمثال النائب عبد الرحمن زميل يرون أن هذه إشارات فائضة عن اللزوم تجاه المساعي الديموقراطية التي تلوح بها الولايات المتحدة بصفة جلية في منطقة الشرق الأوسط، والتي لا تهدف بالنهاية سوى إلى إخضاع المنطقة بكليتها إلى السلطة الكلية لواشنطن، حسب قوله:

"مدارسنا الدينية تنجب ما نسميه نحن بالشباب المتدين المسلم الذي يساند الحكومة. فتعاليمنا ونبينا وعلماؤنا يعلموننا: لا تشقّ عصا الطاعة في وجه ملكك أو سيدك ولا تتمرد عليهم أو تنتقدهم علانية؛ إن هذا مناهض لعقيدتنا لأنه يسبب المشاكل."

تغييرات جذرية

من الممكن أن هذا النهج السلوكي كان صالحا واشتغل جيدا قبل 50 سنة، فالسعودية كانت تعدّ آنذاك حوالي 3،5 مليون نسمة. لكن عدد السكان قد ارتفع في الأثناء إلى 35 مليون نسمة. وفي الأثناء غدت هناك نسبة عطالة عن العمل متزايدة بحسب نسق سريع تتجاوز الثلاثين بالمائة في بعض المناطق، ومعدل الدخل الفردي قد عرف خلال العقدين الماضيين انحدارا يقدر بثلثي ما كان عليه من قبل بينما عدم التسامح المحدد بدوافع دينية يتصاعد بصفة مفزعة.

بالنسبة للمفكر تركي الحمد ليس هناك سوى مخرج واحد: " لقد غدا الإصلاح ضرورة بالنسبة للجميع. إنه ليس بإمكانك أن تظلّ طوال حياتك طفلا؛ البلدان، والدول والأنظمة السياسية هي أيضا كذلك. وحتى عندما يكون لديك نظام جيد فإنه ينبغي إصلاحه كي يتمكن من البقاء. لذلك نحن في حاجة إلى إصلاحات."

راينهارد باومغارتن، مراسل إذاعة SWR الألمانية في القاهرة
ترجمة علي مصباح