هل تتساوى عمليات التعذيب؟

هل يوجد وقت أفضل من هذا الوقت لفضح عمليات المس بحقوق الإنسان في العالم العربي؟ عدد من منظمات عربية للدفاع عن حقوق الإنسان قررت القيام بحملة من أجل لفت أنظار الرأي العام العالمي لما يدور في العالم العربي من عمليات هدر لحقوق الإنسان.تقرير محمود توفيق من الدويتشه فيلله

أصبحت منظمات حقوق الإنسان العربية في موقف حرج: هل يوجد وقت أفضل من هذا الوقت لفضح عمليات المس بحقوق الإنسان وهدرها في العالم العربي؟ الآن، في هذه المرحلة بالذات، حيث هناك اهتمام واضح من قبل وسائل الإعلام العالمية بمسائل التعذيب وسوء المعاملة؟ عدد من منظمات عربية للدفاع عن حقوق الإنسان قررت القيام بحملة من أجل لفت أنظار الرأي العام العالمي لما يدور في العالم العربي من عمليات هدر لحقوق الإنسان. وتصل هذه المنظمات الى تصور مفاده: إن هناك فروق بين تعذيب وآخر. تقرير محمود توفيق من الدويتشه فيلله

"تتراوح أساليب التعذيب المستخدمة بين الإهانات الكلامية، مرورا باللكمات والضرب بأدوات صلبة، الى التعليق في أوضاع مؤلمة، تؤدي إلى حالات شلل مؤقت في بعض أعضاء الجسد – وصولا إلى التعذيب بالصدمات الكهربائية، خاصة في مناطق الأعضاء التناسلية، وقد وصل الأمر في بعض الحالات أيضا إلى التعدي الجنسي، بما في ذلك أيضا التعدي الجنسي على النساء"

هكذا يصف بهي الدين حسن، رئيس مركز دراسات حقوق الإنسان في القاهرة، الأوضاع في السجون المصرية. وهناك حقيقة قائمة وهي: ان المنطقة العربية تكتنف عددا كبيرا من أمثال صدام الصغار، الذين لديهم الاستعداد للقيام بأبشع عمليات فتك بحقوق الانسان:

تعذيب الزوجات البريئات

لقد قامت ماجدة عدلي، وهي من مركز النديم في القاهرة، بالعمل إلى جانب آخرين على كتاب يتناول مسألة تعذيب النساء من قبل الشرطة المصرية:

"إن كافة الحالات التي ورد ذكرها في الكتاب، يتم معاملتها وكأنها رهائن. إن تلك النساء ليست متهمة شخصيا بشيء، وإنما يتم اعتقالها من أجل الضغط على أزواجهن وعلى أقاربهن من الرجال. ولذلك يتم التعدي عليهن جنسيا، ليعترف الآخرون بتهم منسوبة إليهم."

إن لدى منظمات الدفاع عن حقوق الإنسان العربية المبررات الكافية، وفي هذا الوقت بالذات: خاصة وأن الحكام العرب أيضا ومن لف لفيفهم سوف يقومون، حسب رأي ماجدة عدلي، بمحاولة التخفيف من ضخامة الأمر بمقارنته مع ما يقترفه الآخرون من اساءة على حقوق الانسان وهدرها. وسيشيرون بالأصابع إلى الآخرين بحجة تبرير أعمالهم بقول ألا ترون ما تفعله حتى الديمقراطيات، فهو ليس بأفضل مما عندنا.

السكوت عن هدر حقوق الإنسان

وإستنادا إلى أراء منظمات الدفاع عن حقوق الانسان هذه، فإن فضائح أعمال التعذيب وهدر حقوق الإنسان التي قام بها الأمريكان والإنكليز ستغطي على ما يدور في المنطقة من عمليات هدر لحقوق الانسان. ويقول علي زيدان من اللجنة التنفيذية للرابطة الليبية لحقوق الانسان:

"ومن وسائل التعذيب إقعاد المعتقلين عراة على قارورة زجاجية، أو وضع المعتقل مع كلب مفترس في حجرة واحدة، لكي يحاول الكلب افتراسه. وهناك طرق وأساليب تعذيب نفسي. حيث يتم ضرب الزوجة والبنات واغتصابهن أمام أعين السجين."

وعلي زيدان قلق على تطور مسألة حقوق الانسان في مختلف أنحاء العالم. فقد بدأ العالم يسكت على هدر حقوق الانسان، حيث يُستقبل كل من الرئيس المصري حسني مبارك والزعيم الليبي معمر القذافي في أوروبا الغربية، دون أن ينبس أحد بشيء عن حقوق الانسان.

"سلب السجناء نومهم لفترة طويلة وحرمانهم منه إلى حد الهلوسة أو الانهيار الكامل، منع الطعام عنهم لفترة زمنية طويلة، إجبارهم على الوقوف طويلا أو الوقوف في وضع مؤلم"

هذا ما يرويه السيد راجي الصوراني، نائب رئيس الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان، عن عمليات التعذيب في إسرائيل ومناطق السلطة الفلسطينية. وحسب أقوال الصوراني، فهناك حالات إهانة وهدر لحقوق الانسان بشكل سافر أثناء الاعتقال في كلا الجهتين. وحول مستقبل حقوق الانسان في المنطقة اثر نشر صور فضائح التعذيب الذي يقوم به الامريكيون في العراق، فلا يتوجس الصوراني خيرا.

وهذا لا يعني أبدا أن منظمات الدفاع عن حقوق الانسان العربية تعتبر التعذيب في البلاد العربية أقل سوءا منه في مناطق أخرى أو أنها تحاول تجميل صورته، بل أنه وعلى أثر نشر صور التعذيب في العراق على أيدي قوات الاحتلال الأمريكي فقد تهاوت تلك الصورة الخيالية أيضا حول أمل تحسين الوضع في البلد الخاص، بشكل مباشر أو غير مباشر.

وقد يكون هذا الاستياء المركب من تداعيات عمليات التعذيب في العراق على أيدي قوات الاحتلال الأمريكي والبريطاني: فبالنسبة للصوراني وزيدان فإن هؤلاء، أي الامريكان والانكليز، لم يعودوا أبدا أهلا لحمل مشعل الديمقراطية في الشرق الأوسط.

وهكذا يقف المرء أمام تاريخ تعذيب لقوات التحالف المحتلة للعراق الذي يبدو وكأنه لا يختلف عن التعذيب الذي تطبقه الأنظمة العربية. وبالرغم من ذلك – وهذا ما تتفق عليه منظمات الدفاع عن حقوق الانسان العربية – فإن "الديمقراطيات المثالية" التي تدعي القيام بمهمات التنوير لا يمكنها الحفاظ على مبادئها، وهذا ذو نوعية مختلفة تماما.

محمد توفيق، دويتشه فيلله 2004
ترجمة مصطفى السليمان