"إنني أستخدم الكليشيهات لأكسرها"

"أضرار لاحقة" فيلم ألماني حصد العديد من الجوائز ويثير إعجاب الجمهور والنقاد، عاكسا آثار الأحداث السياسية على الناس العاديين ومصائرهم. فهيمة فرساي التقت مخرج الفيلم المصري الأصل سمير نصر وأجرت معه الحوار التالي.

سمير نصر، الصورة: www.firststeps.de
"تجذبني بصورة عامة القصص، التي تُظهر آثار السياسة على الناس العاديين."

​​"أضرار لاحقة" فيلم ألماني حصد العديد من الجوائز ويثير إعجاب الجمهور والنقاد، عاكسا آثار الأحداث السياسية على الناس العاديين ومصائرهم. فهيمة فرساي التقت مخرج الفيلم المصري الأصل سمير نصر وأجرت معه الحوار التالي.

حصل المخرج المصري سمير نصر عن الفيلم الأَلماني "أَضرار لاحقة" في مهرجان القاهرة السينمائي، على جائزة نجيب محفوظ. وسمير نصر البالغ من العمر 37 عامًا يتحدَّت الأَلمانية بدون لكنة أَجنبية، بيد أَنّ مظهره واسمه يدلان على أَنّه ليس أَلمانيًا.

التحق بطرابلس والقاهرة بمدارس ألمانية ثم حصل في عام 1999 من الأَكاديمية السينمائية في مقاطعة بادن-فورتمبرغ على دبلوم في الإخراج والفيلم الوثائقي. وبعدما أَخرج العديد من الَأفلام الوثائقية التي حازت على جوائز، قام في العام 2004 بإخراج الفيلم "أَضرار لاحقة"، الذي كتب قصته فلوريان هانيغ.

يروي هذا الفيلم قصة زوجين - زوج جزائري وزوجة أَلمانية، يعيشان في أَلمانيا بعد الـ11 من أَيلول/سبتمبر. لم ينل فيلم "أَضرار لاحقة" فقط إعجاب آلاف المشاهدين والكثير من النقاد، بل حاز كاتب قصته أَيضًا على جائزة الإعلام CIVIS 2005 المقدَّمة من قناة التلفزيون الأَلماني ARD لأَفضل سيناريو.

يلعب طارق في فيلمك دور عالم جزائري يُشتبه به فجأَة أَنّ له صلة بجماعات إسلاموية إرهابية. ما يؤدي إلى نمو الشك بين الزوجين اللذان كانا سعداء حتى ذلك الحين، وأَخيرًا تنهار علاقتهما. ما هي الأَسباب التي دفعتك على إخراج هذا الفيلم؟

سمير نصر: جاء إنتاج فيلم "أَضرار لاحقة" بتكليف من قناة زود فيست روندفونك SWR وآرته Arte وبايرشر روندفونك BR، وهذا يعني في البدء أَنَّ القنوات التلفيزونية أَرادت صنع هذا الفيلم. وبعدما قرأَت الصيغة الأولى للسيناريو، وجدت الفكرة جيدة. لكنَّنا قمنا بعد نصف عام من العمل على السيناريو بتنفيذ صيغته السادسة مع الكثير من التغييرات.

تجذبني بصورة عامة القصص، التي تُظهر آثار السياسة على الناس العاديين. كما أَنَّني أَتوق إلى تصوير وقع الأَحداث التاريخية على الناس البسطاء.

قصة »"أَضرار لاحقة«" جذبتي بشكل خاص، لأَنَّها تروي بالضبط كل حالة الهذيان والهستيريا، التي تسود حاليًا في أَلمانيا. في هذه القصة يتفاقم سوء الظنّ، إلى حدّ أَنَّ الشك يمتد حتى إلى علاقة حب زوجية سعيدة جدًا ويكاد يهدمها تمامًا.

وهل تمتد جذور القصة إلى تجارب شخصية؟

نصر: تعتمد القصة على واقعة حقيقية، حدثت في هامبورغ، حيث جاء موظفو المكتب الجنائي الاتحادي لبائعة كتب أَلمانية. وقد كانت متزوجة من شاب عربي. لكن لا بد لي أَنْ أَقول، إنَّ طارق لا يمثّل دور الشخصية الرئيسية، بل زوجته مايا.

وبعدما قضينا فترة من الزمن في العمل على السيناريو، تبين لنا أَنَّ القصة لن تكون مثيرة إنْ رويناها من منظور طارق؛ إذ سيكون عندها مضمون الفيلم أَنَّ الرجل لم يكن مذنبًا والمجتمع عذَّبه والكل تخلّوا عنه.

لكن في اللحظة التي نختار فيها وجهة نظر مايا، نخطوا خطوة أخرى. وذلك لأَنَّنا نُظهر مبدئيًا، كيف تنشأ وتسير ميكانيكية مثل هذه. وهذا هو السبب الرئيسي الذي حملنا على اختيارها كشخصية رئيسية. لأَنَّ حالة التطوّر الموجودة لديها هي نفس الحالة الموجودة لدى المشاهد.

وهذا ليس فقط أَثناء مشاهدة الفيلم، بل ربما أَيضًا في الحياة اليومية، عندما يكون لدى المشاهد جار ويتصرَّف بشكل ما "تصرفًا غريبًا". عندما يخجل المشاهدون قليلاً في نهاية الفيلم، من أَنَّهم أَطلقوا العنان لأَحكامهم المسبقة، فعندئذٍ يسعدني هذا كثيرًا.

لقد عرضت صورة متباينة عن المسلمين طارق ورضا. فهل كانت هناك صعوبة في إقناع المشاركين الأَلمان بذلك؟

نصر: لا على العكس تمامًا. أَجد أَنَّ استخدام الكليشيهات مثير جدًا، بهدف كسرها. وفي فيلمي يوجد أَيضًا الكثير من الكليشيهات، التي تلاعبنا بها. وهي عبارة عن صور يراها المشاهدون في نشرات الأَخبار العادية: فعندما يدور الحديث حول الإسلامويين المتطرفين، تُعرض صور لرجال يؤدون صلاة الجماعة. في أَلمانيا تجري الأمور على هذا النحو، بحيث تكفي نظرة إلى مصل ماٍ لكي تثير شعورًا بالانزعاج.

يوجد في الفيلم مشهد، تُفاجئ فيه مايا ضيفهم رضا وهو يصلّي. وهذا مشهد لن يسبب أَي إشكالية ضمن السياق العادي، بيد أَنَّه يثير ضمن هذا السياق انطباعًا بأَنَّ رضا يمكن أَنْ يقوم بعد الصلاة بزرع قنبلة. لقد عملت وسائل الإعلام طيلة سنين على ترسيخ هذه الكليشيهات. ونحن بدورنا تلاعبنا بهذه الكليشيهات أَيضًا، تمامًا مثلما تلاعبنا بكليشيهات العنصر "الخامد" والإرهابي. أَما أَنَّ طارق في النهاية ليس إرهابيًا، فذلك ما تمليه الضرورة.

لكن عري المرأة مايا في مشهد الصلاة أمر غير عادي!

نصر: هذا يُظهر مدى غلاظة شعور مايا. كذلك يمكن أَنْ تؤخذ عليها مآخذ كثيرة. على سبيل المثال أَنَّها لم تهتم طيلة كل هذه السنين بهذا السؤال. كما أن موضوع الدين لم يلعب دورًا في بدايات هذه العلاقة. وذلك لأَنَّ طارق في الأَصل مسلم غربي جدًا.

يقول الطرفان لبعضهما في مثل هذه العلاقات: "أَنت مسلم وأنا مسيحية، وهذه ليست مشكلة". ولكن بعد الـ11 من أَيلول/سبتمبر لاحظ كل من طارق ومايا، أَنَّهما مختلفان في هذه النقطة. إنَّ ما يفصل بينهما هو الدين. فبعد الـ11 من أَيلول/سبتمبر أَصبح من الممكن أَن يُلاحظ المرء ذلك في علاقات كثيرة.

ما هي الآثار التي تركتها أَحداث الـ11 من أَيلول/سبتمبر على سيرتك السينمائية؟

نصر: ليست بالآثار السلبية! ففجأة أَصبحنا نُكتشف كخبراء ونُكَّلف بعمل عن هذا الموضوع، مثل فيلم "عواقب لاحقة".

بيد أن ثمَّة خطرا كبيرا من أَنْ يتم تحجيمنا في هذا الدور. خطر أَنْ يصبح المرء فيما بعد مجرَّد "عمّ أو خال" موجود للإجابة عن هذه الأَسئلة. لهذا السبب من الضروري أَنْ يحاول المرء تغيير ذاته. ألاحظ أَنَّه يتم فجأَة تمييزنا كتابعين لثقافة أخرى. لكنَّني أَجمع بين الثقافتين في داخلي.

هل تم عرض فيلمك في البلدان العربية؟

نصر: تم عرض فيلم "أَضرار لاحقة" في نهاية شهر تشرين الثاني/نوفمبر في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي ضمن إطار مسابقة. لكنَّه لم يُعرض رسميًا حتى الآن في أي من البلدان العربية.

عما يتحدَّث فيلمك القادم؟

نصر: سأَقوم في مشروعي القادم بإخراج رواية للكاتب المصري الكبير، صنع الله إبراهيم. اسم هذه الرواية هو شرف. انها قصة رجل تؤدي به صدفة سيئة نسبيًا إلى السجن. تدور كل أَحداث الفيلم في السجن كانعكاس مزخرف للأَحوال الاجتماعية المصرية معكوسة على هذا العالم الأَصغر ومصَّورة بالكثير جدًا من الفكاهة السوداء. لكنَّه يتناول أَيضًا عواقب العولمة والحالة السياسية على المستوى العالمي.

أَجرت الحوار فهيمة فرساي
ترجمة رائد الباش
حقوق الطبع قنطرة 2005

قنطرة

فنون الفيلم والفيديو الحديثة في الشرق الأوسط
تتطور ثقافةٌ حديثة لصناعة الأفلام والفيديو في الشرق الأوسط، تتناول الكليشيهات بشكل نقدي وتركز على الرؤى الذاتية. أمين فارزانيفر يعرفنا ببعض الفنانين.