حول تداعيات رسوم النبي.. ما الذي يحدث بالضبط؟

ماهر الجنيدي، كاتب وصحفي سوري مقيم في الإمارات
16 شباط/فبراير 2006

مرة أخرى تتلاقى الأصوليات الإسلامية والمسيحية (متمثلة في الإدارة الأمريكية)، في دعم نزول الناس إلى الشوارع احتجاجاً على رسوم الكاريكاتير التي تناولت النبي محمد في الدانمرك، ليطرح الأمر تساؤلات كثيرة، أهمها السؤال التالي: ما الذي يحدث بالضبط؟

لماذا تأخرت ردود الفعل أربعة أشهر؟ إن الإجابة بأن الموضوع تفاقم بعد رفض الحكومة الدانمركية لقاء وفد من السفراء جاؤوا يستنكرون، هو كلام فارغ، لا معنى له فهذه، إن صح الخبر، ليست المرة الأولى التي يلقى فيها سفراء وممثلو الأنظمة العربية إهانة كهذه، بل ربما كانت هذه هي الإهانة الأخف.

لماذا اشتركت الأنظمة هذه المرة في دعم وتمرير، بل وتأجيج الاحتجاجات؟ ألم تحتو تلك الأنظمة، وتجهض، بل وتقمع أحياناً حركات ونشاطات جمعيات مقاطعة البضائع الأمريكية والإسرائيلية، في زمن كان فيه جنود شارون يرتكبون الفظائع في الضفة الغربية؟

بعد أن اعتذرت الصحيفة، وبعد أن أبدى رئيس الوزراء الدانمركي أسفه الشخصي، بحدود ما تسمح به قوانين بلاده، ماهي معايير الاعتذار المطلوبة؟ هل هي الزحف على البطون؟ أم إعلان الخصوم عن اعتناقهم الإسلام؟ وهل ستنفّس كلمة واحدة عن هذا الغضب الصاخب الساطع؟

وبالمناسبة، ترى أيّ الأمرين أشد مرارة؟ اضطرار الحكومات الأوروبية إلى احترام أنظمتها وقوانينها ودساتيرها؟ أم فرض الأمريكيين بالقوة استثناء جنودهم وضباطهم من القوانين العالمية لمحاكمة مجرمي الحروب؟

لماذا أخذت الأجهزة المرتبطة بالأنظمة العربية زمام مسألة ما إذا كان الاعتذار مقبولاً أم لا؟ ألا يزيد الأمور شبهة أن تتعاطف السيدة رايس والإدارة الأمريكية مع مشاعر المسلمين في هذه الأزمة؟ ألم يكن الأحرى بها أن تتعاطف مع مشاعر العالم أجمع الذي خرج للتظاهر والاحتجاج حين كانت تتهيأ لتدمير العراق وارتكاب المجازر فيه؟

هل جرت بالفعل إساءة للرسول الكريم؟ ثم، من هو المُلام في ظهور هذه الصور؟ هل هم أولئك الذين رسموها؟ أم الذين نشروها، أم الدولة التي تصدر عنها تلك الصحيفة؟ ولماذا تعمد الحكومات إلى تمييع هذا السؤال؟

هل يلام المرء، والشارع الأوروبي، على رسم ما يتصوره؟ لماذا المقارنة بالهولوكوست؟ وحشر روجيه غارودي بالموضوع؟ إذا كانت القوانين في بلاد الغرب تتضمن تشريعات تحمي من معاداة السامية، فلماذا لا نعمل وفق خطة مدروسة طويلة الأمد على مخاطبة الشارع الأوروبي لنوضح له أن معادة الإسلام نوع من محاربة الثقافات، وهذه بدورها نوع من التمييز العنصري غير الإنساني، لا يليق بمفاهيم الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان.

ألم يكن حرياً أن تشكل إحدى المرجعيات الإسلامية اللائقة لجنةً مدركة واعية غير غوغائية لدراسة هذه الصور؟ وأن تستعين هذه اللجنة بأكاديميين وعلماء في التحليل النفسي والفنون والاجتماع وعلم نفس اجتماعي، لدراسة وتحليل الأبعاد النفسية والاجتماعية لظهور هذه الصور؟ فالمسألة ليست الرسوم والصور بقدر ما هي التصورات التي تشكلت لدى أولئك الناس، والتي يخشى أنها تعكس رأياً عاماً لا يمكن مواجهته بالصراخ والعويل، وحرق الأعلام.

ماذا لو أن الأنظمة قالت إنها تلقت اعتذاراً شافياً: هل سيرتاح أولئك الذين يرفعون عقيرتهم اليوم، ليعودوا قريري العيون إلى متابعة خنوعهم اليومي للأنظمة وأمريكا وإسرائيل، بجرعات مدروسة من الذل والاضطهاد والمهانة والنيكوتين الأمريكي؟

وعلى الصعيد السوري (كنموذج)، ألم يذكر التلفزيون السوري أن سوريا تلقت اعتذاراً من بلجيكا؟ فلماذا الحرائق؟ وهل من الضروري أن تستعرض سوريا مهاراتها في خسارة أصدقائها، حتى مع هذه الدول المسالمة؟

ألا يبدو مسلّياً تبرير أحد المسؤولين بأن قوى الأمن السورية (كنموذج) لم تتمكن من لجم "الجماهير" الغاضبة التي قدرها بألفي متظاهر؟ وأنه برر قدرة قوى الأمن في "الدفاع" عن مبان حكومية أخرى في حال هاجمتها الجماهير، بأن الجماهير في هذه الحالات لا تكون مدفوعة عاطفياً تجاه مسألة تخصهم. هل باتت الجماهير السورية، في غير حالة النبي محمد، تمارس ترفاً فكرياً غير مشحون بالعاطفة؟

قنطرة

أين أصحاب الفكر المتزن؟
حينما نشرت جريدة دانمركية رسوما كاريكاتيرية للنبي محمد لم يكن أحد يتوقع لها أن تثير مثل هذه الضجة العارمة. فقد اعتبرها المسلمون المتشددون إهانة فيما تشبث الغربيون بحرية الصحافة. أيمن مزيك يلقي الضوء على الحقائق الكامنة وراء هذا التصعيد.

الصحافة وحرية التعبير
من يسيء حقّا إلى الإسلام: الرّسّام الدانماركي الذي رسم الكاريكاتور، أم ردود الفعل التي تطالب بإعادة بوليس الفكر ومحاكم التّفتيش؟ تتساءل رجاء بن سلامة في تعليقها التالي.