الحرية الجنسية.. في مملكة المحافظين المغربية

يعرف المغرب خلال الشهرين الأخيرين، نقاشا حادا حول الحرية الجنسية. جدل تحول إلى الدعوات إلى القتل ، وحملة من السب والشتم في حق صحفيين وفنانين، يرفعون شعار الحرية الجنسية أولا وأخيرا. محمد الخضيري يسلط الضوء على أبعاد وخلفيات هذا النقاش.

 

أحدثت مطالب الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، بإلغاء العقوبات التي يتضمنها القانون الجنائي، والتي تخص العلاقات الجنسية بين راشدين زوبعة في الحياة السياسية والإعلامية المغربية. بعد إعلان الجمعية ومطالبتها بإلغاء الفصل " 490 " من القانون الجنائي التي تنص صراحة على عقوبات سجنية للراشدين الذين يمارسان الجنس خارج مؤسسة الزواج، حدث نقاش واسع دخلت على صفه وسائل إعلام أجنبية.

خلال إحدى هذه المتابعات الصحفية ، استدعت قناة "الميادين" التي تبث من بيروت، الصحفي المغربي ورئيس تحرير الأحداث المغربية المختار الغزيوي، ليتطرق إلى الموضوع. وخلال المقابلة الصحفية سألت مقدمة البرنامج الصحفي إن كان يقبل أن تمارس قريباته حريتهن الجنسية. أجاب الصحفي، أنه يرضى أن تمارس أخته وأمه وابنته، حريتهن، وكان يقصد بذلك حرية الاختيار، والسلطة على أنفسهن.

لكن حوار الصحفي سرعان ما سيحوره مرتادو الشبكات الاجتماعية على فضاء الأنترنت، ليصبح الصحفي في قفص الاتهام، ويطلق عليه البعض وصف "الديوث" (الذي لا يغار على "شرفه"). حملة واسعة لمرتادي مواقع الانترنت، انتقدت الكاتب الصحفي، وأطلقت سبابا وشتائم في حقه، وصلت في بعض الأحيان إلى الدعوة إلى ممارسة العنف عليه. القضية، وبغض النظر عن الصحفي، تظهر، أن موضوع الحريات الفردية لا يزال شائكا في المجتمع المغربي.

من الحرية الفردية إلى الدعوة للقتل

الصحافي المختار الغزيوي رئيس تحرير يومية الأحداث المغربية: المجتمع المغربي يعتبر الحرية الجنسية ملكا للرجل وحده
الصحافي المختار الغزيوي رئيس تحرير يومية الأحداث المغربية: المجتمع المغربي يعتبر الحرية الجنسية ملكا للرجل وحده

​​

منذ سنوات، ترفع الحركة الحقوقية المغربية والحداثيون بالمغرب مطلب الحريات الفردية، ومطابقة القوانين المغربية للتشريعات والاتفاقيات الدولية بما تنص عليه من قدرة الأفراد على الاختيار دون أي قيود مجتمعية أو ثقافية . الشعار رفع أكثر من مرة، من طرف فاعلين حقوقيين وناشطين مدنيين، وظهرت إرهاصاته، إبان الصراع حول مدونة الأسرة، سنة 2003 التي أظهرت مدى الانقسام حول فهم المغاربة لطبيعة الدولة. فإذا كان البعض يصر على إسلاميتها، ويصل في بعض الأحيان إلى المطالبة بتطبيق الشريعة، يوجد تيار آخر يطالب بأن يصادق المغرب على الاتفاقيات الدولية ويلغي مجموعة من الفصول القانونية التي تصادر الحريات الفردية، كـ "استهلاك الخمور، إفطار رمضان، المثلية، تجريم العلاقات الجنسية خارج الزواج، التدين..". لكن حملات الحداثيين المغاربة للمطالبة بهذه الحريات، تجد مجابهة كبيرة من صفوف المحافظين بالمغرب.

بعد مداخلة الغزيوي داخل فضاء القناة، لم يتوقف الأمر عند تعليقات مجهولة. أحد مشايخ السلفية، والمعروف بتصريحاته التي تنقل على بشكل واسع الانتشار على فضاء الانترنت، دخل الخط. الشيخ عبد الله نهاري، ذكر في إحدى التجمعات التي ينظمها، أن تصريحات الغزيوي تجعله "ديوثا" وفاسقا. وفي الثقافة الإسلامية، الديوث هو الذي لا غيرة له على أهله. وتتردد أحاديث ، غير صحيحة حسب علماء الشرع، تقول "اقتلوا من لا غيرة له"، لكنها واسعة الانتشار في المجتمع المغربي. ما قد يجعل كلام النهاري، تهديدا لسلامة الصحفي الجسدية. بينما خرج عمر الحدوشي أحد مشاهير شيوخ السلفية الجهادية، والذي كان معتقلا قبل أن يعفى عنه برسالة شديدة اللهجة يصف فيها الصحفي بالكافر والمجوسي الذي يتوجب تطبيق الشرع في حقه.

حملات الإسلاميين المتشددين اتجاه الداعين إلى مصادرة الحريات بالمغرب، وتلمح إلى وجوب ممارسة العنف اتجاه حداثيين، أثارت عاصفة من الاستهجان خصوصا أنها قد تدخل بالمغرب إلى منزلق العنف، إذا ما تحول هذا الخطاب إلى ممارسات عنفية في حق الحداثيين. ولهذا تجمعت عدة تنظيمات حقوقية للدفاع عن المواقف المساندة للحريات. ودعا ائتلاف من المنظمات المدنية إلى متابعة الشيخ النهاري، منها "بيت الحكمة" و ' حركة اليقظة المواطنة " و"فيدرالية الرابطة الديمقراطية لحقوق المرأة " . دعت المنظمات " القوى المدنية الحية المنتصرة لقيام الحداثة والديمقراطية وحقوق الإنسان للتصدي لمثل هذه الدعوات التكفيرية التي تساهم في نشر ثقافة العنف والتحريض واللاتسامح والتطرف ". وأضافت أنه " ولأن تصريحات النهاري تحريض مباشر على العنصرية والكراهية والعنف (ف 23)، وأنها دعوة صريحة إلى المس بالسلامة الجسدية والمعنوية للأشخاص (ف22)، وأنها بموجب القانون الجنائي تحريض على القتل، فإننا ندعو الجهات القضائية المختصة بإعمال القانون في حق المسمى عبد الله النهاري."

للمسرح حقه في الحرية الجنسية..

فوضى الفتاوى في المغرب
القانون المغربي لا يعطي حق الإفتاء سوى للمجلس العلمي الأعلى الذي يرأسه أمير المؤمنين، اي ملك البلاد. ورغم ذلك انتشرت فوضى الفتاوى في المغرب.

​​

خلف الصراع الذي ولدته التصريحات الصحفية للغزيوي، وموقف الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، المدافع عن الحريات، وعن الحرية الجنسية للراشدين، تحركت فصول محاكمة أخرى. هذه المرة كانت ضحيتها المسرحية المغربية نعيمة زيطان، مؤسسة فرقة "أكواريوم" التي تناضل من أجل المساواة بين الجنسين منذ سنة 1994، عبر المسرح. عرضت فرقة أكواريوم، التي تديرها المخرجة، مسرحية بعنوان "ديالي" أي ملكي، وهي مسرحية تستمد "مونولوغ الفرج"، التي كانت أدتها إيف إينسلر سنة 1996، ووجدت صدى عبر مسارح العالم، واقتبست في أكثير من خمسين لغة. سمت المسرحية العضو الحميم للمرأة، بـ"الدارجة" وهي العربية المغربية، وهذا قد يكون حدث لأول مرة في عرض مسرحي بالعالم العربي، تكسر فيه نساء تابو تسمية العضو الجنسي باسمه.

العرض الذي قدم بمسارح بالعاصمة الرباط، كتب نصه انطلاقا من شهادات نساء، يعشن في الحي الشعبي، الذي تنشط في الفرقة المسرحية. وهو عبارة عن قصص وشهادات أكثر من 250 امرأة يتحدثن فيه عن علاقتهن بعضوهن الحميم. أجابت النساء عن أسئلة من قبيل: «ماذا تسمّين عضوك التناسلي؟ ما هو شكله؟ هل تأملته؟ ما هي رائحته؟ ما هي معاناته؟» عن هذه الأسئلة أجابت النساء إما عبر مقابلات مباشرة، أو عبر استمارات مجهولة الاسم، وأحيانا عبر مقابلات فردية، وتم تحويل هذه الشهادات إلى عرض مسرحي مدته ثلاثون دقيقة.

لكن العرض بدوره وجد مقاومة شرسة من الإسلاميين والمحافظين كما حدث مع قضية المطالبة بإلغاء الفصل 490 من القانون الجنائي. وخرج مسرحيون تقليديون لانتقاد المخرجة المسرحية نعيمة زيطان. خصوصا كل من عبد الكريم برشيد، وعبد القادر البدوي. الأول وصف عرضها بـالعرض الذي "لا يرقى الى الحسّ المسرحي بأبعاده الفنية والأخلاقية ذات الرسالة السامية"، بينما انطلق الثاني في حملة شتائم للمخرجة، رغم أنهما لم يريا عرضها المسرحي. حملة "الفنانين"، المتطرفين تأتي، بعد حملة أطلقها الإسلاميون تتحدث عن ضرورة أن "يكون الفن نظيفا"، على حد وصفهم. لكنها نظافة ، وطهرانية، يرفض الفنانون المغاربة الخضوع لها، ويفضلون الفن الذي لا يخضع لأي إملاءات مجتمعية أو ثقافية، ترفع شعار الأخلاق.

 

محمد الخضيري
حقوق النشر: باب المتوسط 2012