ما احتمالات التصعيد بين الولايات المتحدة وإيران؟

 صورة من الأرشيف لسفن حربية أمريكية عند قناة السويس - مصر. Begleitschiffe des Flugzeugträger USS Abraham Lincoln im Sueskanal vor der Küste von Ägypten - Bild: picture-alliance/Mass Communication Specialist 3r/U.S. Navy/AP/dpa
صورة من الأرشيف لسفن حربية أمريكية عند قناة السويس في مصر: مجتمع الاستخبارات الأميركي يعتقد أن إيران لا تسعى حاليًا إلى حرب مباشرة مع الولايات المتحدة، لكنها تتطلع إلى زيادة الضغط على إسرائيل والولايات المتحدة من خلال وكلائها في المنطقة. Bild: picture-alliance/Mass Communication Specialist 3r/U.S. Navy/AP/dpa

يقول محللون إن إيران في وضع سيطرة "فهي تطلب من أذرعها كافة -بما في ذلك حزب الله- أن يبقوا الأمور في حالة غليان ولكن مع ضبط النفس". فهل تنشب حرب شاملة في الشرق الأوسط؟ استخلاص عماد حسن لموقع قنطرة.

By عماد حسن

يراقب المجتمع الدولي تطورات الوضع في الشرق الأوسط، فيما تتزايد المخاوف من اتساع نطاق الصراع الدائر حالياً بين إسرائيل والفلسطينيين ليصبح صراعاً اقليميا قد تتورط فيه دول اخرى وقد يصبح حرباً عالمية.

يأتي ذلك بعد تزايد هجمات يزعم أنها لمجموعات مدعومة من إيران على أهداف أميركية في العراق وسوريا قدرها الجيش الأميركي بأكثر من 40 هجوماً، يقول محللون إن الهجمات تقف وراءها طهران بهدف ممارسة الضغط على الإدارة الأميركية لكبح جماح إسرائيل، أو على الأقل جعل الولايات المتحدة تدفع ثمن دعمها القوي لإسرائيل.

تسببت الهجمات في إصابة العشرات من أفراد القوات الأميركية خصوصاً في سوريا فيما لقي شخص واحد مصرعه في العراق. 

أيضاً، أسقطت سفينة تابعة للبحرية الأميركية ثلاثة صواريخ كروز وعدة طائرات مسيرة في شمال البحر الأحمر أطلقتها قوات الحوثي الموالية لإيران من اليمن. وقال البنتاغون إن الصواريخ والطائرات المسيرة ربما كانت متجهة نحو إسرائيل. وقال مسؤول إسرائيلي كبير: "لم يكن الهجوم الصاروخي الحوثي لينفذ دون الضوء الأخضر من إيران"، وفق ما نشرت وسائل إعلام أميركية.

جماعة الحوثي أكدت لاحقاً أنها من يقف خلف هذه الهجمات وتوعدت إسرائيل بالمزيد ما لم توقف حملتها في غزة، لينتهي الأمر مؤخراً باختطاف الجماعة اليمنية لسفينة شحن ضخمة تتبع رجل أعمال إسرائيلي قبالة مضيق باب المندب، الأمر الذي أثار قلقاً دولياً.

Here you can access external content. Click to view.

احتمالات التصعيد قائمة

في هذا السياق، أكد برايان فينوكين مستشار أول برنامج الولايات المتحدة في مجموعة الأزمات الدولية أن "هناك بالفعل خطراً ومخاوف من أن تتصاعد الأعمال العدائية بين الولايات المتحدة وإيران، على الرغم من أن  الدولتين كليهما لا تبدوان راغبتين في وقوع صراع مباشر". 

وأضاف في تصريحات خاصة لموقع قنطرة أنه "وبعد أشهر من الهدوء في الهجمات على القوات الأميركية في العراق وسوريا، استأنفت الجماعات المدعومة من إيران هجماتها على القوات الأميركية في كلا البلدين بالتزامن مع حرب غزة"، مشيراً إلى أن توقيت وشدة الهجمات (حوالي 60 منذ 17 تشرين الأول/أكتوبر 2023) يبدوان مرتبطين بالنزاع في غزة".

وقال إن الولايات المتحدة "شنت ضربات انتقامية ضد أهداف تابعة للحرس الثوري الإيراني والجماعات التي يدعمها في سوريا، لكنها لم تستهدف حتى الآن أفراد الحرس الثوري الإيراني بشكل مباشر. وقد يتغير ذلك إذا قُتل أفراد من الجيش الأميركي في هجوم مستقبلي".

وأضاف الخبير في مجموعة الأزمات الدولية لموقع قنطرة أن هناك قلقاً داخل الولايات المتحدة من خروج الوضع الإقليمي عن السيطرة، حيث "تشعر الحكومة الأميركية بقلق بالغ إزاء تصاعد الصراع الإقليمي، ولهذا السبب، أظهرت إدارة بايدن الصبر وضبط النفس من حيث الرد بالقوة العسكرية على الهجمات على القوات الأميركية في العراق وسوريا، بل حتى يقال إنها قاومت دعوات البنتاغون للرد بقوة أكبر على الهجمات على القوات الأميركية".

على جانب آخر، قالت صحيفة نيويورك تايمز الأميركية إن إيران تواجه معضلة حقيقية، إذ تفكر في كيفية الرد هي والميليشيات التابعة لها على العملية العسكرية الإسرائيلية في غزة وما إذا كان عليها تعزيز وضعها وموقفها من إسرائيل على حساب خطر إشعال حرب إقليمية أوسع.

بدوره، قال ياكوف كاتس، رئيس التحرير السابق لصحيفة جيروزاليم بوست والخبير الدفاعي: “لا أرى أن إسرائيل ستبدأ هجومًا ضد إيران في الوقت الحالي. ولا فائدة لإسرائيل من توسيع هذا الصراع وهذه الحرب إلى ما هو أبعد مما يحدث في غزة"، مؤكداً أن "إسرائيل تريد حصر الحرب في مكان واحد لكن إذا هاجمت إيران إسرائيل معتقدة أنها تستطيع الاستفادة من الوضع، وهنا أعتقد أننا سنرى رد فعل إسرائيلي كبير".

رد "غير متناسب"؟

تصاعد الهجمات وإصابة جنود أميركيين استدعى رداً عسكرياً، كان الأول في شرق سوريا على ما وصفها الجيش الأميركي بأنها منشآت يستخدمها الحرس الثوري الإيراني وحلفاؤه، فيما استهدفت العملية الأميركية الثانية ما قيل إنه مستودع أسلحة في شرق سوريا يستخدمه أيضاً الثوري الإيراني.

ويقول محللون إن ردود الولايات المتحدة على أنشطة الجماعات التابعة لإيران في اليمن ولبنان وسوريا والعراق، تبدو حتى الآن، غير متناسبة مع حجم وطبيعة وشدة الهجمات. 

في هذا الإطار يقول ديفيد شينكر الباحث في معهد واشنطن للدراسات إن إسرائيل نفسها ردت في بعض الأحيان على هجمات حزب الله بقوة ولكن مع ضبط للنفس، في محاولة لإبطاء التصعيد، وقال إن إيران من جانبها كانت مترددة فيما يبدو في إصدار الأمر لحزب الله بالدخول في حرب واسعة النطاق، مفضلة بدلاً من ذلك الحفاظ على ذراعها الأكثر فعالية ضد أي عمل عسكري إسرائيلي محتمل يستهدف البرنامج النووي الإيراني.

ويقول شينكر إنه ومع ذلك، تتزايد المخاوف من أن تؤدي المناوشات الحالية إلى سوء تقدير وإلى صراع مكلف آخر بين حزب الله وإسرائيل مثل الذي حدث في عام 2006، وهو صراع دام 34 يوماً في لبنان وشمال إسرائيل ومرتفعات الجولان.

ويقول الخبراء في مجموعة الأزمات الدولية إن "تسامح" الولايات المتحدة مع الهجمات التي قامت بها أذرع أيران في المنطقة "يعكس على الأرجح رغبتها بتجنب حدوث تصعيد إقليمي لكن الإصابات التي وقعت في صفوف أفراد القوات الأميركية ومقتل متعاقد أميركي جراء سكتة قلبية واستمرار الهجمات بالمسيَّرات والصواريخ على القواعد الأميركية وضع إدارة بايدن في موقع شعرت معه أنه كان عليها أن تردّ."

وتشير الهجمات المتجدِّدة على القوات الأميركية، والمترافقة مع هجمات مزعومة أو مؤكَّدة على إسرائيل -من قِبَل مجموعات في لبنان وسوريا والعراق واليمن- إلى جهد يبذله “محور المقاومة” للضغط على إسرائيل لخفض حدَّة عملياتها في قطاع غزة. 

مخاوف من صراع إقليمي "غير مقصود"

لكن على الرغم من التصريحات النارية المتبادلة بين طهران وواشنطن والقوات الأميركية التي انطلقت إلى الشرق الأوسط، إلا أن مجتمع الاستخبارات الأميركي يعتقد أن إيران لا تسعى حاليًا إلى حرب مباشرة مع الولايات المتحدة، لكنها تتطلع إلى زيادة الضغط على إسرائيل والولايات المتحدة من خلال وكلائها في المنطقة، وفق ما صرح مسؤولين أميركيين رفيعي المستوى لشبكة إن بي سي نيوز الأميركية.

المصدران أكدا أن النهج الإيراني الحالي يزيد من مخاطر احتمال نشوب صراع إقليمي "غير مقصود"، كما أن التصرفات "الاستفزازية" التي يرتكبها شركاء وحلفاء إيران تهدف أيضاً إلى أن تعيد إسرائيل حساباتها، وقال المسؤولان إن جهود طهران تبدو وكأنها محاولة لإجبار إسرائيل على الحد من نطاق حملتها العسكرية.

وتشير تحليلات لمراكز أبحاث دولية مختلفة أن إيران قامت منذ فترة طويلة بتنمية وكلاء مسلحين في المنطقة لصد خصومها وتوسيع نفوذها السياسي وجعل أعدائها يفكرون مرتين قبل مهاجمة إيران مباشرة.

ويقول ديفيد شينكر الباحث بمعهد واشنطن للدراسات إن العنصر الأساسي إنه وفقاً لوزارة الدفاع الأميركية، فإن المقصود من إرسال القوات الأميركية للمنطقة هو "إشارة قوية لردع أي جهة قد تفكر في الدخول في الصراع"، في إشارة غير مباشرة إلى إيران والقوات الإقليمية التابعة لها.

من جانبه، قال ييجال كارمون، المستشار الإسرائيلي السابق لمكافحة الإرهاب إن "الأميركيين موجودون في المنطقة لاستباق أي خطوة لإيران"، وأضاف كارمون، الذي شغل منصب مستشار مكافحة الإرهاب لرئيسي الوزراء الإسرائيليين إسحاق شامير وإسحق رابين، أن "حزب الله لا يزال يستمع إلى طهران" و أن "طهران تريد استخدام الجميع للقتال من أجلها".

 صورة من الأرشيف لقارب حربي طراد إيراني في مياه الخليج الفارسي العربي. Iran Schnellboote der iranischen Revolutionswächter am Persischen Golf. Quelle: khabar online
صورة من الأرشيف لقارب حربي طراد إيراني في مياه الخليج الفارسي العربي: تشير تحليلات لمراكز أبحاث دولية مختلفة أن إيران قامت منذ فترة طويلة بتنمية وكلاء مسلحين في المنطقة لصد خصومها وتوسيع نفوذها السياسي وجعل أعدائها يفكرون مرتين قبل مهاجمة إيران مباشرةً. Quelle: khabar online

وفي تصريحات صحفية، قالت ميشيل فلورنوي، وكيلة وزارة الدفاع السابقة لشؤون السياسة، إنه من غير المرجح أن تدخل إيران مباشرة في الحرب بين إسرائيل وحماس، لكنها أضافت أن هناك خطراً متزايداً من اندلاع صراع بشكل غير مخطط له، خاصة على طول الحدود الشمالية لإسرائيل مع لبنان حيث تشتبك قوات حزب الله المدعومة من إيران مع الجيش الإسرائيلي.

وأضافت فلورنوي أن "خطر سوء التقدير مرتفع للغاية، ذلك أن خطر إساءة تفسير جانب أو آخر للإجراءات عبر الحدود الشمالية وارد جدا ما يجعل حدوث هذا التصعيد أمر حقيقي للغاية".

وفي الوقت الحالي، يشير المسؤولون الإيرانيون علناً إلى أنهم لا يريدون حرباً واسعة النطاق. وأكدت إيران عدة مرات أنها لم تكن على علم مسبق بالهجوم المدمر الذي شنته حماس على إسرائيل، وهو الموقف الذي أكده مسؤولون أميركيون.

وفقاً لثلاثة مسؤولين إيرانيين مرتبطين بالحكومة ومطلعين على المداولات الداخلية أصروا على عدم الكشف عن هويتهم لحساسية الأمر، فإن إيران لا تريد حرباً إقليمية، الأمر الذي يحمل مخاطر على البلد ونظام الحكم فيها بحسب ما ذكرت نيويورك تايمز.

ايران لا تريد تصعيداً

الأمر نفسه أكده وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، الذي قال: "أريد أن أكرر أننا لا نسعى لنشر هذه الحرب".. "المنطقة وصلت إلى نقطة الغليان وفي أي لحظة قد تنفجر وهذا قد لا مفر منه. إذا حدث هذا، فسوف تفقد جميع الأطراف السيطرة”. 

وقال إن طهران أبلغت الولايات المتحدة عبر قنوات خلفية إنها لا تريد أن تتصاعد الحرب بين إسرائيل وحماس بشكل أكبر  بحسب ما قال في مقابلة مع صحيفة فاينانشيال تايمز .

وأشار ديفيد شينكر الباحث في معهد واشنطن للدراسات إن المدى الذي ستذهب إليه طهران في تعبئة الميليشيات التابعة لها سوف يمليه سير العمليات البرية لجيش الدفاع الإسرائيلي في غزة ومدى نجاح عملياته.

وقال ناصر إيماني، المحلل السياسي المقرب من الحكومة الإيرانية، لصحيفة نيويورك تايمز إنه “لا داعي لتورط إيران بشكل مباشر في الحرب ومهاجمة إسرائيل نفسها" مضيفاً أن إيران في وضع سيطرة "فهي تطلب من أذرعها كافة بما في ذلك حزب الله، أن يبقوا الأمور في حالة غليان ولكن مع ضبط النفس".

 ويشير الخبراء في مجموعة الأزمات الدولية أنه سيكون من الحكمة أن تبحث طهران وواشنطن عن فرص لخفض التوتر رغم أنه ذلك قد يكون مستحيلاً سياسياً في الوقت الراهن، إلا أنه حالما تتاح فرصة لاستئناف الجهود الدبلوماسية غير المباشرة والهادئة، فإنه ينبغي على الطرفين اغتنامها، وربما العودة إلى سلطنة عمان وطلب وساطتها.

 

عماد حسن

حقوق النشر: موقع قنطرة 2023

Qantara.de/ar