لماذا هُزم الأصوليون في ايران؟

يعتبر الخبير المعروف في الشؤؤن الايرانية محمد صالح صدقيان أن فوز المرشح المعتدل حسن روحاني في انتخابات الرئاسة الإيرانية، لا يعزى إلى أحداث انتخابات 2009 وولادة الحركة الخضراء، بل إلى المشكلات التي يعاني منها الناخب الإيراني، والاقتصادية تحديداً، والتي نتجت عن سياسة حكومة أحمدي نجاد الصدامية.

مُني التيار الأصولي بهزيمة نكراء في ، مــــمـــثلاً بأربـــعة مرشحين هم رئيس بلدية طهران محمد باقر قاليـــباف وسكرتير مجلس تشخيص مصلحة النظام محسن رضائي، وعلي اكبر ولايتي، مستشار المرشد علي خامنئي للشؤون الدولية، وسكرتير المجلس الأعلى للأمن القومي سعيد جليلي.


وإذا كان مبكراً درس أبعاد هذه القضية التي تُعدّ من أهم الظواهر السياسية التي شهدتها ايران خلال العقود الثلاثة الماضية، لكن الثابت ان على هذا التيار الإقرار بهزيمته المُستحقَّة، استناداً إلى عوامل عدة.


ويسود اعتقاد بأن الانتخابات لم تتأثر بالتيارين الإصلاحي والأصولي، بقدر ما فعلت بأداء الأصوليين، لأن الإصلاحيين لم يتحرّكوا في الساحة الانتخابية، بسبب حظر أهم حزبين لهما، هما «جبهة المشاركة الإسلامية» و «منظمة مجاهدي الثورة الإسلامية». ولم تتحرّك الماكينة الانتخابية لهذين الحزبين في الشارع، ولا يعود إليها الفضل في حضّ الناخب على الاقتراع.
وكان لافتاً أن الحملات الانتخابية، وتحديداً التي للمرشح المعتدل حسن روحاني، لم تتحرّك في إطار أحداث انتخابات 2009 وأجوائها، بل في إطار المشكلات التي يعاني منها الناخب الإيراني، والاقتصادية تحديداً.

فشل السياسة الاقتصادية وتهميش الطبقة الوسطي

روحاني قد يبادر لحل الخلاف النووي
يرى المراقبون أن الفوز المفاجىء لحسن روحاني بانتخابات الرئاسة الإيرانية يمثل فرصة ممكنة لحل الخلاف مع الولايات المتحدة بشأن طموحات طهران النووي. لكن هل يملك رجل الدين المعتدل زمام الأمور لفرض تغييرات، لأن اية الله علي خامنئي، الزعيم الاعلى لايران، هو من يحدد سياستها الخاصة بالملف النووي ويحتاج اي اتفاق مع الغرب لموافقته.

​​

ونذكّر بأن 60 في المئة من الإيرانيين هم من الطبقة الوسطى ويُعتبرون من المتضررين الأساسيين من المشكلات الاقتصادية التي سبّبتها سياسة حكومة الرئيس محمود أحمدي نجاد، والتي رفعت نسبة التضخم إلى اكثر من 50 في المئة، مساهمةً في انهيار العملة الإيرانية بنسبة تجاوزت 50 في المئة.


والمراهنة كانت على الفقراء الذين يشكلون نسبة 25 في المئة، وهم سكان القرى والأرياف والمدن البعيدة الذين نالوا مساعدات مادية من الحكومة. أما نسبة الـ15 في المئة المتبقية فهي الطبقة الغنية المترفة، الوحيدة التي استفادت من الوضع الاقتصادي، إذ أن حكومة نجاد رفعت شعار العدالة الاجتماعية، لكنها نجحت بامتياز في القضاء على اقتصادات الطبقة الوسطى التي كانت محرّك البلد، لكنها تضرّرت وهُمِّشت اقتصادياً في شكل كبير.


واستناداً إلى ذلك، ليس مستغرباً أن تشهد صناديق الاقتراع نسبة مشاركة مرتفعة، منحت صوتها لمرشح معتدل، بدل آخر أصولي ساهم تياره في دعم حكومة سبّبت له كل هذه المشكلات.

اخطاء استراتيجية للاصوليين

ايرانيون يحتفلون بفوز روحاني
يعتبر الخبير في الشؤؤن الايرانية محمد صالح صدقيان، أن الأخطاء والممارسات، التي انتهجها نجاد وحكومته الأصولية، سواء في نظرتهما إلى العقوبات، أو تعاطيهما مع البرلمان، ساهمت في فوز الاصلاحي روحاني في انتخابات الرئاسة الإيرانية.

​​

ولا ننسى الأخطاء والممارسات التي انتهجها نجاد وحكومته الأصولية، سواء في نظرتهما إلى العقوبات، أو تعاطيهما مع مجلس الشورى (البرلمان)، أو مع الشخصيات التي عملت معه. واختزنت ذاكرة المواطنين كل ذلك، وظهّرته في شكل قوي في صناديق الاقتراع.


ووقع الأصوليون في خطأ استراتيجي، إذ فشلوا في تنظيم صفوفهم الانتخابية، بعد مصادقة مجلس صيانة الدستور على أهلية خمسة مرشحين عنهم. ولم يفِ «الائتلاف الثلاثي» الذي ضمّ ولايتي وقاليباف والرئيس السابق للبرلمان غلام علي حداد عادل، بتعهده انسحاب مرشحَين لمصلحة ثالث.


كما أن إصرار رضائي وجليلي على الاستمرار في السباق الانتخابي، أظهر أنانية شخصية على حساب مصلحة التيار الأصولي، ما ساهم في توجّه الناخبين لمصلحة روحاني، خصوصاً بعد «تضحية» المرشح الإصلاحي محمد رضا عارف، بانسحابه لمصلحة روحاني، ما أوجد حماسة وتعاطفاً كبيرين، ليس لدى التيار الإصلاحي فقط، بل لدى التيار الأصولي أيضاً الذي فشل في ترتيب أوراقه الانتخابية، وتلقّى صفعة لا تقلّ أهمية عن تلك التي وُجِّهت إلى الإصلاحيين عام 2009.

 

محمد صالح صدقيان
حقوق النشر: الحياة اللندنية 2013