هل تزول دولة باكستان؟

يطرح جاسوانت سينغ الذي شغل مناصب وزير المالية والخارجية والدفاع في الهند تساؤلات حول مستقبل باكستان وتداعيات انهيارها على المستوى الإقليمي العالمي بوصفها دولة نووية وكذلك دلالات تأصل المسار الأصولي فيها وتأثيره على مسيرة الحياة الديموقراطية في البلاد.

طالبان باكستان، الصورة د.ب.ا
"المسار الأصولي العدواني من شأنه أن يعيد باكستان إلى الوراء قروناً من الزمان"

​​

تمر باكستان الآن بنقطة تحول كبرى. فهل تكتب لها النجاة من الاضطرابات الهائلة التي تفرضها التحديات الحالية ـ والتي تجسدت في اغتيال سلمان تاثير حاكم ولاية البنجاب مؤخرا بواسطة أحد حراسه الشخصيين، وهو أحد الإسلاميين المتعصبين ـ أم أن الأمور قد تنقلب رأساً على عقب؟ إن مصير باكستان يشكل بالنسبة للعالم قضية ملحة، بل ولعلها قضية وجودية وذلك أن باكستان تشكل قوة إقليمية مسلحة نووياً ومولدة للإرهاب.

والواقع أن جذور عدم الاستقرار في باكستان عميقة. فبعد الحربين العالميتين الأولى والثانية، جلست القوى العظمى والولايات المتحدة لتلفيق الحدود، فتمخض ذلك التلفيق عن ميلاد بلدان مثل العراق، وإسرائيل، والكويت، والأردن، والمملكة العربية السعودية ـ وبالتالي نشوء أغلب العلل والشرور التي تعاني منها منطقة الشرق الأوسط حاليا. وكانت الخريطة الجديدة للمنطقة مبنية على افتراض مفاده أن الأسس الجوهرية التي تقوم عليها "آسيا المسلمة" من الممكن تحويلها من خلال تقديم نظام الدولة الأمة الغربية. بيد أن هذه الجهود أسفرت بدلاً من ذلك عن تشكيل منطقة مأهولة بكيانات فشلت إلى حد كبير في التماسك والالتحام كأمم.

وفي عام 1947 تم تشريح شبه القارة الهندية على نفس النحو تقريبا، مع اقتطاع جزء منها على أساس ديني: فنشأت دولة باكستان. وليس من المجدي بطبيعية الحال أن نعيد فحص ومراجعة هذه الحماقة المأساوية الآن. ولكن العواقب التي ترتبت على التقسيم تظل باقية: فباكستان لم تتمكن حتى الآن من تطوير حكومة ذات مصداقية على المستوى الإداري. ولو كان محمد علي جناح، الأب المؤسس لباكستان، على صواب حين قال إن المسلمين هم أمة مستقلة، فما كانت بنجلاديش لتنفصل عن تلك الأمة، وكانت علاقات البلاد بجارتها أفغانستان لتصبح خالية من المؤامرات والعنف.

مسألة الإسلام والدولة

الصورة د..ب.ا
"في باكستان يرتدي المتطرفون اليوم الزي الإسلامي، ويزعمون نصرتهم للخالق والعقيدة والنظام الديني"

​​

ويقودنا هذا إلى جوهر الأمر:. في كتابه "الإسلام ومصير الإنسان" يطرح جاي إيتون هذه المسألة بدقة وأناقة فيقول: "إن المجتمع الإسلامي يدور حول حكم الرب وليس حكم رجال الدين". وهو تمييز مهم، لأنه يشكك في صحة مفهوم "الدولة الإسلامية" في مقابل "الدولة المسلمة". فيقول إيتون إن الأولى عبارة عن "اقتراح إيديولوجي لم يتحقق على الإطلاق في تاريخ الإسلام، حيث لم تنشأ أي دولة مسلمة يحكمها رجال الدين".

وفي حين أن مركزية الدولة في الشئون الإنسانية تُعَد تطوراً أوروبياً حديثاً فإن المجتمعات التقليدية، مثل الهند أو باكستان، كانت تنظر إلى الدولة دوماً بوصفها شراً لابد منه، لأن المجتمعات الكبيرة من غير الممكن أن تُدار على الأساس القَبَلي القديم. وبالنسبة للمسلمين فإن السيادة جميعها للرب؛ ولا شيء على الإطلاق موجود أو من الممكن أن يوجد خارج إرادته. وطبقاً لتعبير إيتون فإن تأكيد القرآن على عدم وجود إله إلا الله من الممكن أن يفسر أيضاً بحيث يعني عدم وجود أي مشرع غير الله. ولهذا السبب فإن القوانين في الفقه الإسلامي لابد وأن تكون مستمدة من القرآن والسنة النبوية، وليس من فلسفة بريطانية أو كلاسيكية.

وعلى هذا فإن القضية المركزية في الإسلام ليست ما إذا كان من الممكن فصل الدولة عن الدين، بل ما إذا كان من الممكن فصل المجتمع عن الدين. وهو أمر غير ممكن، ولهذا السبب لن نجد دولة مسلمة علمانية بالكامل. والواقع أن القضية الكامنة الآن في قبل باكستان تتلخص فيما إذا كان من الممكن أن تتحول إلى دولة دينية. وهو ما يعيدنا إلى هول عملية اغتيال تاثير، ورد الفعل الغريب والمنقسم إزاء هذه العملية في المجتمع المدني الباكستاني. إن اغتيال تاثير، خلافاً لاغتيال رئيس الوزراء الهندية أنديرا غاندي بواسطة حراسها الشخصيين في عام 1984، لم يكن هجوماً انتقاميا. بل إن جذور اغتيال تاثير ضاربة بعمق في الأوهام والضلالات المظلمة للمعتقدات المتعصبة، حيث يفترض أن قتل تاثير كان لحماية العقيدة. والأسوأ من ذلك أن العديد من المواطنين، إن لم يكن أغلبهم، استجابوا لعملية الاغتيال هذه بمناصرة منفذها (بل إن البعض أمطروه بالورود)، في حين رحب المئات من العلماء (الزعماء الدينيين) بمقتله وزعموا أن المشاركة في تشييع جنازته "مخالف للإسلام". وعلى حد تعبير زعيم حركة الجماعة الإسلامية "فإن القتيل مسؤول عن مقتله".

الأصولية الدينية

الصورة ا.ب
قتل ودمار وتشريد وتساؤلات حول إمكانية تحول باكستان إلى دولة دينية

​​

إن هذا المسار الأصولي العدواني من شأنه أن يعيد باكستان إلى الوراء قروناً من الزمان. لا شك أن باكستان وحدها هي المسؤولة عن المسار الذي تختاره، ولكنها ما كانت لتتبنى مسارها الحالي لولا الدعم الضمني (والصريح) الذي منحتها الولايات المتحدة إياه، بداية من ثمانينيات القرن العشرين، بهدف التصدي للاحتلال السوفييتي لأفغانستان. ومرة أخرى، نرى كيف قد تؤدي الأولويات الوطنية الغربية المغلوطة إلى جلب الخراب على دولة غير غربية. في أي تنافس بين الأفكار، فإن الأفكار المتطرفة تنتصر عادة على الأفكار المعتدلة. وفي باكستان يرتدي المتطرفون اليوم الزي الإسلامي، ويزعمون نصرتهم للخالق والعقيدة والنظام الديني. ولكن ما الذي قد يناصره الباكستاني الليبرالي في المقابل؟ وهل في باكستان اليوم من يدعو إلى إقامة دولة ليبرالية ديمقراطية؟

في أزقة لاهور أو كراتشي أو بيشاور أو كويتا المظلمة المكتظة، لن نجد توقاً إلى الليبرالية الديمقراطية، بل لن نجد إلا كل من يدعو المؤمنين إلى التوحد خلف عقيدة واحدة صحيحة. وهنا، ومن منطلق هذه الرغبة، تجري الحسابات النهائية، وليس في أروقة واشنطن، وبكل تأكيد ليس في الشوارع الفسيحة الواسعة في إسلام أباد.

جاسوانت سينغ
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت/ 2011

جاسوانت سينغ شغل في الهند سابقاً مناصب وزير المالية، ووزير الخارجية، ووزير الدفاع. وهو مؤلف كتاب "جناح: الهند ـ التقسيم ـ الاستقلال".

قنطرة

الرئيس الباكستاني الجديد آصف على زرداري:
من سجين إلى رئيس للبلاد
أصبح آصف علي زرداري - أرمل زعيمة المعارضة الباكستانية بينظير بوتو - رئيس باكستان الجديد. وارتقاؤه من سجين إلى رئيس للبلاد يشكِّل العودة الأكثر إثارة للدهشة في المشهد السياسي الباكستاني الذي يمتاز بكثير من التناقضات والتداخلات والتعقيدات وفق تعليق عرفان حسين.

باكستان والحرب على الإرهاب:
بلد على شفير الهاوية
لم تؤدِ "الحرب على الإرهاب" التي يتم خوضها بطريقة سيّئة إلى تأجيج نار التطرّف في باكستان وحسب، بل صارت تهدّد الآن أيضًا بتمزيق هذا البلد الذي يعاني أصلا من اضطرابات سياسية ومشكلات أمنية، حسب رأي أحمد رشيد في التعليق التالي.

نظرة على وضع المرأة الباكستانية:
"الفتيات الذهبيات الباكستانيات"
في الوقت الذي يعتقد فيه العديد من الباكستانيين أن لا شيء يذكر يسير في الاتجاه الصحيح في بلادهم، حيث الفيضانات والتفجيرات الانتحارية والفساد، فقد جعل فريق الكريكت الوطني النسائي وفوزه في دورة الألعاب السادسة عشرة الآسيوية في غوانج جو بالصين، من الممكن بالنسبة للعديد من الباكستانيين أن يروا أملاً للخروج من النفق المظلم، كما ترى الباحثة سارة خان في هذه المقالة.