الحاجة إلى قوّة مضادّة لحزب العدالة والتنمية

صوَّت نصف المواطنين لحزب العدالة والتنمية.تمثِّل نتيجة الانتخابات صفعة في وجه العسكر وفي وجه أحزاب المعارضة، التي كانت تعتقد أنَّها ستتمكَّن من كسب أصوات الناخبين من خلال الشعارات القوموية والتسوية العسكرية. تعليق عمر إرزيرين

رئيس الوزراء القديم والجديد رجب طيب إردوغان وزوجته أمينة، الصورة: أ ب
رئيس الوزراء القديم والجديد رجب طيب إردوغان وزوجته أمينة

​​صوَّت نصف المواطنين لحزب العدالة والتنمية. وفي المقابل كانت نسبة الذين انتخبوا حزب العدالة والتنمية في الانتخابات السابقة التي أُجريت في عام 2002 فقط 34 بالمائة. تمثِّل نتيجة الانتخابات صفعة في وجه العسكر وفي وجه أحزاب المعارضة، التي كانت تعتقد أنَّها ستتمكَّن من كسب أصوات الناخبين من خلال الشعارات القوموية والتسوية العسكرية. تعليق عمر إرزيرين

أشهر العسكر السيف ملوِّحين بمذكِّرة ضدّ الحكومة. توحَّد هدف العسكر وأحزاب المعارضة في انتخاب رئيس الدولة التي أُجريت تحت قبة البرلمان. الأمر الذي أفشل انتخاب وزير الخارجية عبد الله غول لرئاسة الدولة. كان الإستراتيجيّون في هيئة أركان الجيش يسعون من خلال حركات التهديد إلى إخضاع حزب العدالة والتنمية. ثم ظهرت النتيجة في الانتخابات. تعتبر نتيجة الانتخابات في نفس الوقت مذكِّرة ضدَّ تدخّلات العسكر.

أتت نتيجة الانتخابات عقابًا على تلك الأكاذيب التي لفَّقت لحزب العدالة والتنمية دور جماعة سرية إسلاموية غامضة. إذا ما قمنا بتحليل النتائج الإقليمية فسيتَّضح أنَّ حزب العدالة والتنمية قد تمكَّن من القيام بدور حزب جماهيري.

لعبت الانتماءات العرقية والدينية في هذه الانتخابات دورًا أقلَّ أهمية مما لعبته في الانتخابات التركية السابقة. إذ يوجد علويّون وأرمن من بين ناخبي حزب العدالة والتنمية. كذلك استطاع الحزب رفع نسبة أصواته بصورة كبيرة لدى الناخبين الأكراد. حصل الحزب على أصوات تجاوزت الحدود الطبقية الاجتماعية.

انتهى الزمن الذي كان فيه حزب العدالة والتنمية حزبًا رصيده مطبوع بطابع إسلامي وأناضولي ناشئ، يحقِّق أصواته في الأحياء الفقيرة من المدن الكبرى. كذلك تمكَّن الحزب من اختراق مساكن العمَّال وأحياء الطبقة الوسطى الشعبية.

تطابق ذلك تركيبة ممثِّلي حزب العدالة والتنمية في البرلمان. إذ أنَّ جناح الحزب البرلماني متنوِّع جدًا على المستوى الإيديولوجي. يوجد في هذا الجناح نوَّاب مثل الديموقراطي الإشتراكي إرتوغول غوناي Ertugrul Günay، الذي يبرز أهمية سياسة الشؤون الاجتماعية في الدولة، أو الخبير الدستوري الليبرالي ظافر أوسكول Zafer Üskül، الذي يسعى إلى إلغاء الفقرات المعادية للديموقراطية في الدستور، بالإضافة إلى النوَّاب الذين بدأوا مسيرتهم السياسية سابقًا في صفوف الإسلامويِّين.

ما يوحِّد حزب العدالة والتنمية هو البرغماتية: نهج مؤيِّد لأوروبا وسياسات اقتصادية ليبرالية ودمج السوق التركية في الاقتصاد العالمي الرأسمالي. تقتضي مثل هذه المنهجية تفكيك جهاز الدولة الذي لم يكن يسيطر في السابق على الاقتصاد وحسب، بل كان يحدِّد كذلك أركان النظام السياسية الإيديولوجية.

تمَّ تجريد جهاز أنصار أتاتورك القديم من سيطرته على الاقتصاد. والآن بات تجريد أنصار أتاتورك من سيطرتهم على الحياة السياسية أمرًا وشيكًا. ويعتبر الجيش آخر معاقلهم. لن تقوم الحكومة الجديدة باقتحام هذا المعقل، فهم يقوِّضون سيطرتهم على الجيش خطوة تلو الأخرى.

تتيح نتيجة الانتخابات فرصة لتركيا - على سبيل المثال في الأزمة الكردية المعلَّقة. سوف يتمكَّن "حزب المجتمع الديموقراطي" الكردي بنوَّابه البالغ عددهم 21 نائبًا من تشكيل جناح برلماني. ستدخل الآن إلى البرلمان المرشَّحة سيباهت تونجيل، التي كانت تقبع في السجن أثناء المعركة الانتخابية بسبب دعم غير مشروع لحزب العمَّال الكردستاني. أصبح الأكراد يتمتَّعون للمرَّة الأولى منذ عام 1993 بصوت مستقلّ في البرلمان. إلاَّ أنَّ نتيجة الانتخابات تخفي في ثناياها خطرًا كبيرًا. إذ أنه من السهل الآن على حزب العدالة والتنمية التغلغل في المجتمع وبسط نفوذه.

على الرغم من التحوّل في حزب العدالة والتنمية فإنَّ دفة القيادة في أيدي رجال، يدخلون المعترك السياسي بتصوّرات القيم الإسلاموية. إنَّ وجود معارضة برلمانية قوية أمر ضروري. حصل "حزب الشعب الجمهوري" (CHP) بزعامة دينيز بايكال Deniz Baykal على حوالي 21 بالمائة من الأصوات - هزيمة مرَّة.

لم يواجه "حزب الشعب الجمهوري" الذي كان في السابق حزبًا ديموقراطيًا إشتراكيًا مع دينيز بايكال - بشعار "القومية وسيلة لتماسك هذا المجتمع" - المشروع السياسي لحزب العدالة والتنمية في شيء، سوى إعلانه الصريح عن أنَّه حزب مخلص للدولة.

ومع ذلك لا يملك حزب دولة أيَّ مستقبل في تركيا. تحتاج تركيا الآن أكثر من ذي قبل إلى يسار ديموقراطي ليكون بمثابة القوّة المضادّة لحزب العدالة والتنمية. سوف يُثبت المستقبل إذا ما كان بإمكان "حزب الشعب الجمهوري" القيام بمثل هذا التحوّل - وإلاَّ فإنَّ تركيا مهدَّدة في الواقع بحكومة الحزب الواحد.

بقلم عمر إرزيرين
ترجمة رائد الباش
حقوق الطبع قنطرة 2007

قنطرة

الإنتخابات البرلمانية التركية
تتأزم الأوضاع قبل الإنتخابات التركية والتي تنعكس بشكل واضح في الشعارات الانتخابية لأحزاب الحكومة والمعارضة. تقرير عمر إرزيرين من اسطنبول

ماذا يجري في تركيا؟
يتظاهر مئات الألوف - كثير من النساء والشباب وممثلي الطبقة الوسطى ضد حكومة إسلامية قادت بلدها نحو أوروبا بشكل أقوى من أي حكومة أخرى في العقود الماضية. تحليل الصحفي الألماني غونتر زويفرت