المستقبل للربيع العربي الذي يتعرض لصعوبات مثل كل الثورات

تسلم رئيس حزب حركة النهضة الإسلامية التونسية راشد الغنوشي جائزة ابن رشد للفكر الحر لعام 2014 في العاصمة الألمانية. وبهذه المناسبة ألقى الغنوشي في برلين كلمة قال فيها إن حزبه يسعى إلى بناء نموذج توافقي في تونس ورأى فيها أن من يزرع الاستبداد يحصد "داعش"، وأن "الإرهاب مرض لكل الأديان". عادل القدسي حاوره حول رؤيته السياسية في خضم الانتخابات التونسية 2014.

By عادل القدسي

انتخابات رئاسة مجلس النواب (2014) أفرزت رئيساً من حزب نداء تونس ونائباً أولاً من حزبكم، الأمر الذي اعتبره كثيرون تأكيداً ربما لشكوك سابقة باتفاق الحزبين الكبيرين على تقاسم كعكة السلطة. ما ردكم؟

راشد الغنوشي: لا يحتاج الأمر إلى شكوك، فهذا التوزيع يعبر عن موازين القوى. هناك منصب رئيس البرلمان ومن الطبيعي أن يكون للحزب الأول، ومن الطبيعي كذلك أن يكون منصب نائب البرلمان للحزب الثاني. هذا شيء طبيعي أفرزه توازن القوى.

هل هناك مشاورات مع نداء تونس بشأن ائتلاف حكومي؟

راشد الغنوشي: لا. حتى الآن ليس هناك حديث حول ائتلاف حكومي.

كان هناك تصريح لافت للمرشح الرئاسي ورئيس حزب نداء تونس -الباجي قائد السبسي- بأن منافسه منصف المرزوقي هو مرشح الإسلاميين، وهو هنا يقصدكم أنتم وأنصاركم -وكذلك وصفه بمرشح السلفية الجهادية- ورغم ذلك ترفضون دعم المرزوقي صراحةً، أليس الأمر مستغرباً؟

راشد الغنوشي: هذه القضايا معظمها كان متعلقاً بالتجاذبات والصراعات الانتخابية، والآن هناك وضع جديد. تونس تحتاج إلى التوافق الوطني. تونس أنقذها منهج التوافق وليس الصراع. ولا تزال تونس تحتاج إلى توافق وطني لا يقصي أحداً.

راشد الغنوشي في برلين 05 / 12 / 2014 أثناء تسلمه جائزة ابن رشد للفكر الحر لعام 2014.
"الغنوشي مهد الطريق لإسلام معاصر يواكب الحداثة": في كلمة باسم مؤسسة ابن رشد قال حامد فضل الله عضو الهيئة الإدارية للمؤسسة إن جائزة ابن رشد للفكر الحر تُمنَح لشخصية امرأة أو رجل ساهمت بكتاباتها أو تأثيرها السياسي في إنضاج فكرة الإسلام المواكب للحداثة وبناء الدولة الديمقراطية العربية. وعلى هذا الأساس اختير الغنوشي من بين إحدى عشرة شخصية من سبع دول عربية رشحت لنيل الجائزة لعام 2014، وهي السادسة عشر منذ تأسيسها. وقال فضل الله: "إن المؤسسة تكرم اليوم مفكراً إسلاميا ًومناضلاً سياسيا ًتحمل السجن والمنفى ومن أبرز الشخصيات التي مهدت الطريق لبناء إسلام معاصر يواكب الحداثة". والغنوشي هو ثالث شخصية تونسية تنال جائزة ابن رشد بعد الناشطة الحقوقية سهام بن سدرين والمخرج السينمائي نوري بوزيد. يُشار إلى أن الجائزة مُنحت في دوراتها السابقة للراحلين المفكر المغربي محمد عابد الجابري والمصري حامد أبو زيد.

هذا يعني في الحقيقة تخليكم عن حليفكم الرئيس منصف المرزوقي وهو رفيقكم في النضال ضد نظام الرئيس المخلوع بن علي، وهذا يثير تساؤلات حول سياستكم كحزب إسلامي يدعو -كما تقولون- إلى تخليق الحياة السياسية، وهنا يُطرح التساؤل حول إن كانت ممارستكم هي سياسة مصالح في الحقيقة، فما هي القيمة المضافة التي تقدمونها أنتم كحزب إسلامي للمشهد السياسي بتونس؟

راشد الغنوشي: نحن ليس لنا مرشح رئاسي، ولذلك قررنا موقف التفويض لأنصارنا، أي موقف الحياد. وهذا الموقف الذي لا نزال عليه حتى الآن. أما هل سيستمر هذا الموقف أم هل سيتعدل قليلاً أم هل سيُترجَم الحياد بطريقة أخرى فهذا ما سنراه في الأيام المقبلة في مجلس الشورى، إن شاء الله.

في الحقيقة هناك قراءة بأن مواقفكم السياسية هي نابعة من هاجس الشرعية لديكم وخوفكم من النموذج المصري، وهو الأمر الذي يدفعكم إلى اتخاذ هذه المواقف المرنة، أليس كذلك؟

راشد الغنوشي: نحن حريصون على نجاح تجربتنا الديمقراطية، وقدمنا من أجل ذلك تنازلات بما فيها التنازل عن الحكومة وتنازلات أخرى في الدستور. وبالنسبة لنا فإن نجاح التجربة الديمقراطية التونسية هو نجاح لتونس ونجاح للمنطقة كلها، وهذا يسبق كل أولوية حزبية.

السيد الغنوشي، أنتم هنا في برلين للحصول على جائزة ابن رشد للفكر الحر. إلى  جانب تسلم الجائزة، ما هي طبيعة جدول أعمال زيارتكم إلى ألمانيا؟

راشد الغنوشي: تسلُّم الجائزة قبل كل شيء، وأنا أشكر منظمة ابن رشد التي منحتني هذا الشرف. وكانت لي وستكون لي لقاءات مع مسؤولين ألمان من مختلف المستويات ومع الصحافة الألمانية ومنها هذا اللقاء.

لعل حصولكم على الجائزة جاء لتثمين دوركم في تميز النموذج التونسي عن باقي الدول التي شهدت ما اصطُلح عليه بالربيع العربي، الذي أصبح المواطن العربي في الحقيقة يفضل تسميته بالخريف العربي نظراً إلى تدهور الأوضاع، وحتى الشباب في تونس أصبح عازفاً عن السياسة. ما موقفكم هنا؟

راشد الغنوشي: المستقبل هو للربيع العربي. والربيع العربي يتعرض لصعوبات كما تعرضت لها كل الثورات. تونس -من خلال ثورتها- أدخلت العالم العربي في عالم جديد -عالم الحرية والديمقراطية- كما فعلت الثورة الفرنسية مع أوروبا من قبل ذلك. والمسألة كلها هي مسألة صعوبات وسيتغلب عليها العالم العربي. والديمقراطية هي المستقبل، إن شاء الله.

 

حاوره: عادل القدسي

حقوق النشر: دويتشه فيله 2014