انتصار متأخر للقضاء الباكستاني

بعد الاحتجاجات الشديدة التي قادتها المعارضة الباكستانية رضخت الحكومة في إسلام أباد وأعلنت عن أنَّها سوف تعيد تعيين قاضي القضاة، افتخار شودري في منصبه. وقد وعد الرئيس الباكستاني آصف علي زرداري في أثناء حملته الانتخابية بإعادة تعيين شودري، بيد أنَّه لم يفِ بهذا الوعد وفق تعليق غراهام لوكاس.

قاضي القضاة افتخار محمد شودري
رمز للقوى الديمقراطية في باكستان - قاضي القضاة افتخار محمد شودري بعد الإفراج عنه في شهر تمّوز/يوليو 2007

​​ لا يمكن أن يكون هذا التخفيف في حدّة لهجة الحكومة الباكستانية ديمقراطيًا؛ حيث أعلن في صباح يوم الاثنين السادس عشر من شهر آذار/مارس رئيس الوزراء الباكستاني، يوسف رضا جيلاني في التلفزيون الباكستاني أنَّ إسلام أباد سوف تعيد تعيين قاضي القضاة، افتخار شودري والقضاة المعزولين البالغ عددهم ستين قاضيًا في مناصبهم. وبهذا تم التخفيف إلى حين من حدّة الأزمة التي تعصف بالسياسة الداخلية في باكستان منذ الانتخابات التي تم إجراؤها هناك في شهر شباط/فبراير 2008، ولكن لم يتم إنهاء هذه الأزمة.

ويشكِّل هذا القرار انتصارًا بالنسبة للمجتمع المدني في باكستان؛ فالقوى الديمقراطية في باكستان تعتبر افتخار شودري رمزًا لمقاومة الحكم العسكري بزعامة الجنرال برويز مشرف منذ العام 1999 والذي انتهى نهاية سلمية في عام 2008.

نصر تاريخي تسجِّله القوى الديمقراطية

وكذلك تعتبر نهاية الصراع على السلطة مع الرئيس الباكستاني نصرًا تاريخيًا بالنسبة لآلاف من المحامين الباكستانيين الذين خرجوا مرارًا وتكرارًا منذ عدَّة أشهر إلى الشارع من أجل استقلال القضاء. وبالنسبة لهم لم تكن العودة إلى الحياة الديمقراطية كاملة ومعقولة من دون إعادة تعيين قاضي القضاة الذي وقف في وجه برويز مشرف ودافع عن الدستور الباكستاني.

احتجاجات المحامين على تعسّف الحكومة، الصورة: د.ب.ا
احتجاجات المحامين على تعسّف الحكومة - تم عزل شودري عام 2007 من قبل برويز مشرف، وذلك لأنَّ شودري كان يتصدَّى لانتهاك الدستور من قبل مشرف

​​ وإذا كان الرئيس آصف علي زرداري هو الخاسر فإنَّ زعيم المعارضة، نواز شريف هو المنتصر الذي حقَّق هذا النصر المبين. ونواز شريف هو الذي أفشل تشكيل حكومة ائتلافية مع حزب الشعب الباكستاني بزعامة أرمل بينظير بوتو، وذلك لأنَّ هذا الأخير امتنع عن إعادة تعيين افتخار شودري.

ونواز شريف الذي تم في الأشهر الماضية اضطهاده وإهانته عدَّة مرَّات من قبل الحكومة في إسلام أباد وحتى إنَّه وضع يوم الأحد الماضي تحت الإقامة الجبرية، يخرج الآن من هذه الأزمة قويًا أكثر من السابق.

تسجيل نقطة انتصار لنواز شريف

ونواز شريف الذي يعدّ رئيس أكبر حزب معارض، أي حزب الرابطة الإسلامية الباكستاني PML-N أظهر سلطته الجديدة وألغى في آخر المطاف الاحتجاجات الأخرى بما في ذلك ما يعرف باسم المسيرة الطويلة التي تقوم بها المعارضة من جميع أرجاء البلاد إلى إسلام أباد. والسؤال الوارد هو لماذا أقدم آصف علي زرداري على هذا الصراع على السلطة، ليخسره فيما بعد بمثل هذه الخسارة الفادحة؟ فمن المؤكَّد أنَّه قد قدَّر الأوضاع تقديرًا خاطئًا.

ولا شكّ في أنَّه كان يعتقد في الأصل بعد فوزه الكبير الذي حقَّقه في الانتخابات البرلمانية في شهر شباط/فبراير 2008 - حيث انبهر بأغلبيته الكبرى في البرلمان - أنَّ بإمكانه جذب نواز شريف إلى الحكومة الديمقراطية الجديدة وربطه فيها.

وفي ذلك استهان آصف علي زرداري بغضب الناس وبسخطهم - هؤلاء الناس الذين يريدون الاستمرار في تعزيز دور المجتمع المدني في باكستان والذين يرون أنَّ العودة إلى الحياة الديمقراطية هي مجرَّد خطوة أولى من أجل تعزيز دور المؤسسات مثل مؤسسة القضاء.

وفي الأشهر الماضية بدأ حزب الرئيس الباكستاني، وبذلك أيضًا الرئيس آصف علي زرداري بالذات يشعر بهذا الضغط والسخط الشعبي بصورة متزايدة خاصة في إقليم البنجاب ذي الكثافة السكانية العالية. وعلاوة على ذلك فإنَّ الذين يبحثون عن سبب لموقف الرئيس زرداري في الماضي ليسوا بالقليلين؛ فزرداري كان متَّهمًا في التسعينيات بقضية فساد.

"السيِّد عشرة في المائة"

وكان الباكستانيون يسخرون من آصف علي زرداري أثناء فترة ولاية زوجته منصب رئاسة الوزراء ويطلقون عليه لقب "السيِّد عشرة في المائة" نظرًا لحصوله على "عمولات" عن إرساء المناقصات التي تطرحها الدولة. غير أنَّ زرداري نفى باستمرار هذه التهمة، ولكن لم يتبق لديه سوى الشكّ بأنَّ قاضي القضاة سوف يثير من جديد هذه القضية في حال رجوعه إلى منصبه. ويبقى الجواب على تحوّله لدى شودري.

نواز شريف، الصورة: ا.ب
يرى غراهام لوكاس أنَّ نواز شريف زعيم حزب "الرابطة الإسلامية الباكستاني" خرج منتصرًا من الصراع على السلطة مع آصف علي زرداري

​​ ولكن من الجائز أن يكمن السبب الرئيسي لهذا التحوّل في واشنطن. فهناك في إدارة باراك أوباما وفي الكونغرس، حيث يتم اتِّخاذ القرار الخاص بالمساعدات المالية التي يتم تقديمها إلى باكستان ويبلغ حجمها مليارات، نجد المعنيين قلقين للغاية على الأوضاع السياسية الداخلية في هذا البلد الذي يمتلك أسلحة نووية.

فواشنطن تريد أخيرًا رؤية أفعال ضدّ مقاتلي طالبان المتمرِّدين في شمال غرب باكستان، كما ورد من الولايات المتَّحدة الأمريكية. وكذلك شرحت في الأسابيع الأخيرة مجموعة من مبعوثي إدارة الرئيس أوباما ومبعوثي حكومات غربية أخرى لحكومة زرداري أنَّ محاربة الإسلامويين في شمال غرب البلاد يجب أن تحظى بالأولوية.

انتصار وهمي

وضمن هذا السياق فإنَّ الغرب لا يتفهَّم الجدال السياسي الداخلي الدائر مع القوى الديمقراطية في باكستان. والآن يحتفل الشعب في باكستان بالنصر. ولكن من الممكن أن يكون هذا النصر في النهاية انتصارًا وهميًا. ومع أنَّ الرئيس المنتخب ديمقراطيًا، آصف علي زرداري قد عُرض للقضاء وتم إضعافه سياسيًا، إلاَّ أنَّ لديه الأغلبية الكبرى في البرلمان ويستطيع إلى حين البقاء في الحكم.

وإذن سوف تبقى الآن أمور كثيرة مرهونة إمَّا بانضمام نواز شريف الذي يعتبر المنتصر الكبير في السياسة الداخلية إلى حكومة آصف علي زرداري أو بسعيه إلى الاستمرار في زعزعة خصمه، زرداري. وهنا يتمنَّى المرء الاحتمال الأوَّل، ولكنَّه يخشى على كلِّ حال من الاحتمال الثاني.

غراهام لوكاس
ترجمة: رائد الباش
حقوق الطبع: دويتشه فيله 2009

يعمل غراهام لوكاس مديرًا لأسرة تحرير البرنامج الخاص بجنوب آسيا في مؤسسة دويتشه فيله.

قنطرة

الرئيس الباكستاني الجديد آصف على زرداري:
من سجين إلى رئيس للبلاد
أصبح آصف علي زرداري - أرمل زعيمة المعارضة الباكستانية بينظير بوتو - رئيس باكستان الجديد. وارتقاؤه من سجين إلى رئيس للبلاد يشكِّل العودة الأكثر إثارة للدهشة في المشهد السياسي الباكستاني الذي يمتاز بكثير من التناقضات والتداخلات والتعقيدات وفق تعليق عرفان حسين.

باكستان والحرب على الإرهاب:
بلد على شفير الهاوية
لم تؤدِ "الحرب على الإرهاب" التي يتم خوضها بطريقة سيّئة إلى تأجيج نار التطرّف في باكستان وحسب، بل صارت تهدّد الآن أيضًا بتمزيق هذا البلد الذي يعاني أصلا من اضطرابات سياسية ومشكلات أمنية، حسب رأي أحمد رشيد في التعليق التالي.

سيناريوهات النزاع الباكستاني:
إذا ما تفتتت باكستان . . .
يحلل هيرفريد مونكلر الباحث في علم السياسة تواصل الأزمة السياسية في باكستان ويطرح السؤال التالي: ماذا سيحدث فيما لو تعرضت باكستان كدولة وكوحدة إقليمية إلى التجزئة وانقسمت إلى دويلات متعددة علما بأن الحكومة المركزية اليوم عاجزة عن السيطرة التامة على كامل أرجاء البلاد؟