رحلة موسيقية في متاهات العتمة الفنية

في روايته الأخيرة "نجم الجزائر" يجسد عزيز شوكي، الجزائري المقيم منذ سنين في باريس، قصة موسيقار موهوب بدأ حياته الفنية في الجزائر في مطلع تسعينيات القرن العشرين التي اندلعت فيها الحرب الأهلية. ولم يكتب شوكي رواية كبيرة حول الموسيقى وحسب، بل أيضا نصا مؤثرا حول الإحباط الفني والبشري. كيرستين كنيب يعرفنا بهذه الرواية.

عزيز شوكي،  الصورة من موقع شوقي
"الكاتب عزيز شوكي المولود عام 1951 في منطقة القبائل يستطيع مزج ما هو رائع مع الرديء، ومزج خفة الروح الفنية مع ضغط الواقع المحزن بصورة وثيقة"

​​يجب أن يكون هناك إيقاع لم يكن معروفا من ذي قبل، ويجب أن يكون إيقاعا جديدا فائقا للغاية وخليطا من كل الأنواع التي يتصورها المرء. إنه أسلوب موسيقي يربط بين إيقاعات أطلسية ومتوسطية في لون لم يُسمع من قبل، كما أن بعض إيقاعات الكاريبك تنضوي تحت هذا الأسلوب الجديد الذي يمتزج فيه كل شيء لدرجة أن نغمات القارات يمكن أن تتوافق معه في شكل جيد. وبين كل هذا توجد الإيقاعات العربية على صورة ضربات سريعة على الطبلة وآلات الإيقاع وضوضاء المدن المغربية المنفرة. نعم، هكذا ينبغي أن يكون الرد الجزائري على موسيقى مايكل جاكسون.

سِحْر النغمة

هكذا بدأ موسى ماسي، بطل الرواية، الذي يأمل في أن يصبح نجما، خارج المدينة على شاطئ البحر، أمامه الأراضي البور وجبال من القمامة وخلفه أطفال حي شعبي بائس يحمل اسما خلابا، "الشمس والبحر". نعم، شمس وبحر! فهما يوجدان بكثرة، وأكثر من ذلك هناك أشياء أخرى، مثل القذارة والفقر واليأس والأماني التي لا تتحقق والمستقبل الهش. وهناك اعتداد بالنفس معطوب وجريح لدرجة تقارب الموت، وأيضا شعور مقبض لا نهاية له ولا يمكن التغلب عليه إلا بالمخدرات، مثل الحشيش والكوكايين. لكن تبقى الموسيقى فوق كل شيء - على الأقل في البداية – ويهيم سِحر النغمة واللحن الحفيف الذي ينتشل موسى من محيطه و يحرر روحه، ربما على الدوام ولكن بالتأكيد لمدة كل أغنية.

​​صَخب الحياة

إن الكاتب عزيز شوكي المولود عام 1951 في منطقة القبائل يستطيع مزج ما هو رائع مع الرديء، ومزج خفة الروح الفنية مع ضغط الواقع المحزن بصورة وثيقة. وهذا هو السبب الذي جعل روايته "نجم الجزائر" لا ترسم الثقافة بصورة مثالية وتتجاهل البؤس والحرمان، وفي الوقت نفسه لم تجعل الموضوعات الفارغة الفحوى عرضة للنقد الأدبي الاجتماعي. وروايته هذه تتميز بأنه وضع الموسيقى ومحيطها في علاقة شد وجذب لا تنفك، وعلى الرغم من أن هذه العلاقة أخفق فيها موسى ماسي، إلا أنها جعلت النص ذو تأثير يسحر القارئ ويأخذ لُبّه.
ولا يكاد شوقي يحتاج إلى فعل شيء أكثر من وصفه لظروف الجزائر في التسعينيات، فعلى مدى ثلاثين عاما تحت حكومة جبهة التحرير الوطني الجزائرية ظلت البلد في ركود ولا تتقدم خطوة واحدة، وخيم الإحباط على الكل واستسلم معظم الناس للظروف السيئة، وكان هذا هو المظهر العام على الأقل.

بيد أن المتذمرين في البلاد جمعوا أنفسهم منذ سنوات تحت راية "الجبهة الإسلامية للإنقاذ"، وعلى الرغم من أن الانتخابات المشئومة لا تزال أمرا وشيكا، إلا أن تزويرها فيما بعد سوف يُدخل البلاد في حرب أهلية. فالرجال الملتحون متواجدين في كل مكان بالمدينة، والشيوخ والشباب، الذين ما زالوا يرون بصيصا من الأمل، على يقين أنهم لن تقوم لهم قائمة تحت حكم جبهة التحرير الوطني الجزائرية. وطبقا لذلك قست روح الإخاء وتسمم الجو العام في المدينة وفُرض على النساء لبس الحجاب وعلى الموسيقيين ترك الموسيقى لأنها رجس من عمل الشيطان.

هجمات الإسلاميين ضد جزائريين، الصورة: أ.ب
"بفعل أجواء الإرهاب قست روح الإخاء وفُرض على النساء لبس الحجاب وعلى الموسيقيين ترك الموسيقى لأنها رجس من عمل الشيطان"

​​غناء على الطريقة الهندوسية

هذه التصرفات وجدها موسى نوع من التعصب الأعمى وقام بمعارضتها بالموسيقى، وكان ذلك ممكنا في البداية. ويبدو فعلاً أن الموسيقيين الموهوبين يذيع صيتهم بسرعة ويزداد الطلب عليهم وترقى منصاتهم، لدرجة أن موسى أصبح يقف على منصة الـ"Triangle"، وهو أرقى ناد في المدينة وملتقى الشباب من علية القوم. كل الإمارات تنبئ بمستقبل زاه، حيث إن موسى ذو موهبة فريدة.

ولا أحد يستطيع أن يعرض ذلك بطريقة مؤثرة أكثر من شوكي، الذي كان يعزف في فرق مختلفة واحتفظ بذوقه ذي الحس القوي للموسيقى. لهذا أثّر المرء كما لو كان إله الموسيقى وساحر الألحان. وقد تشبع موسى بهذا الساحر ونشر ذوقه وألحانه بين الآخرين في وقت واحد، حتى إن المرء يكاد يسمع هذه الألحان في الرواية، وهي ألحان شديدة الحدة تكاد تكون أغنية مكثفة تحولت إلى صياح. وكما هو الوضع عند قدوته مايكل جاكسون كان هو في بؤرة الاهتمام. وكانت طاقاته تتحد مع أجواء الحفل كله في شخصية المغني، و"ينحني موسى حتى يركع أثناء الأداء العظيم وعند الذروة، ويغني أحينا كما لو كان يغني على الطريقة الهندوسية".

أوجاع بلد

لقد كتب شوكي رواية موسيقية رائعة، خاصة وأنها عن مأساة الموسيقى، وبالضبط مأساة الموسيقيين أنفسهم. إنها مأساة لا يكمن الدافع إليها في الفن ذاته، وهي أيضا ليست سرمدية ولكن يمكن تأريخها من ناحية الزمان والمكان بالضبط، ومأساة موسى تكمن في أنه بدأ حياته الفنية في الجزائر وبالذات في مطلع تسعينيات القرن العشرين. في هذا الفترة كان لا بد أن يفشل التدرج المهني بسبب سوء الأحوال الاقتصادية. أضف إلى ذلك كراهية الإسلاميين للفن، حيث قاموا بالتضييق على موسى الذي يحب الموسيقى فوق كل شيء. هذا الحب كان لا بد أن يفشل، وكان هذا الفشل الذي يقطعه الأمل بين الحين والآخر ويدفع الفنانين إلى الإحباط هو ما وصفه شوكي بدقّة بالغة وعاطفة حساسة. وكان موسى شخصيا وراء الهزيمة الكبرى، فالعالم متعدد الجوانب، ولكن هذا التعدد أصبح لا يجتمع بعدُ في موسيقى موسى ولا في حياته أيضا. والنهاية الوخيمة التي يعيشها لم تصبه وحده فقط ولكنها أحدثت جروحا بالغة في البلاد كلها.

كيرستين كنيب
ترجمة: عبد اللطيف شعيب
حقوق الطبع: قنطرة 2009

قنطرة

الفنانة الجزائرية الأمازيغية حورية عايشي:
سفيرة الأغنية الشاوية وعاشقة الفرسان الأسطوريين
تعمل الفنانة الجزائرية الأمازيغية، حورية عايشي، في مشروعها الموسيقي الجديد على نقل التقاليد البربرية القديمة بجرأة إلى عصرنا الحديث. شتيفان فرانتسين تحدَّث إلى هذه الفنانة الموسيقية في فرنسا حول فنها ومسيرتها الموسيقية.

رواية بوعلام صنصال "البريد الباقي":
حقائق مُرَّة لشعب "أعمى"
فتح الكاتب الجزائري بوعلام صنصال برواية "البريد الباقي" في وطنه حربًا ثقافية متعددة الجبهات؛ فهو يضرب في جميع الاتِّجاهات وينتقد كلاً من الطبقة الحاكمة والإسلامويين على حدّ سواء. بيآت شتاوفَر يستعرض هذه الرواية اللاذعة.

الهيب هوب الجزائري:
ثورة على الصمت
الهيب هوب باعتباره ثقافة شباب احتجاجية حاضر اليوم في معظم المدن الجزائرية الكبرى. ولا يزال همُّ موسيقيي الراب الجزائريين حتى اليوم هو الاحتجاج العلني على الأوضاع السياسية المزرية وكسر حاجز الصمت. تقرير أريان فريبورز.