معارضة سفر الفتاة بمفردها- خوف عليها أم تقييد لحريتها؟

لا زالت فكرة سفر الفتاه بمفردها تواجه معارضة القسم الأكبر في المجتمع الأردني، ففي الوقت الذي تتقبل فيه العائلات الميسورة هذه الفكرة عموما، فإن الفئات الآخرى تعارضها تحت مسميات كثيرة أبرزها الشرف والسمعة والخوف عليها. حنين أبو الروس من عمان ترصد ملامح المواقف المختلفة من هذه القضية.

.

نوال مسلك، طالبة مغربية تدرس في الأردن ، الصورة دويتشه فيله
"معظم المغاربة يتقبلون فكرة سفر الفتاة بمفردها طلبا للعمل أو العلم، وعلى العكس من ذلك فإن المجتمع الأردني يعارض عموما هذه الفكرة ويمقتها"

​​ اتسعت الأحداق، عندما أعلنت الشابة الأردنية هديل ج عن شروعها في إنهاء اجرءات سفرها إلى ألمانيا من أجل الالتحاق بدورة تدريبية في إحدى المؤسسات الإعلامية الألمانية. كانت الابتسامات تطفو على وجوه معارف وأقارب لها، غير أنهم غير راضين في أعماقهم، ومتعجبين من موافقة أسرتها على هذه الفكرة، وأول سؤال طرحوه عليها بتكرار ممل واستغراب، " هل ستسافرين بمفردك؟".

تمثل أسرة هديل فئة اجتماعية متوسطة تميل عموما إلى تفهم فكرة سفر الفتاة بمفردها، وان كانت ممزوجة بقلق كبير عليها. لكن في الجهة المقابلة، يرفض منتمين إلى هذه الفئة أمثال الموظف مصطفى ( 50 عاما)، التحاق ابنته بتخصص الترجمة في الجامعة الألمانية – الأردنية لخوفه عليها بسبب الكثير من الصعوبات التي ستواجهها خلال سفرها بمفردها، أو بالأحرى دون مرافقة احد من أفراد عائلتها، ويضيف"سفر المرأة من دون محرم، حرام" حسب الفتاوى الدينية، وبهذا الصدد يرد عليه المتقاعد أبا سامر، أن هنالك أيضا فتاوى أجازت شرعا سفر الفتاة بمفردها للضرورة، كضرورة التعليم مثلا، ويؤيد أبا سامر فكرة سفر الفتاه لطلب العلم، إن كانت أهلا للثقة والمسؤولية المعطاة لها، معلقا "لا أجد في سفرها عيب ولا حرام، لان السفر أصبح أيسر من ذي قبل، كما أن وسائل الاتصالات ساهمت كثيرا في تقريب المسافات وتخفيف القلق على الشخص البعيد"، ويضيف: "هي لن تسافر على جمل".

"الأمر يعتمد بالدرجة الأولى على الفئة الاجتماعية"

الدكتور محي الدين خمس، أستاذ علم الاجتماع وعميد كلية الآداب في الجامعة الأردنية ، الصورة دويتشه فيله

​​ وفي تفسير موقف المجتمع الأردني من سفر الفتاه بمفردها، سواء للعمل أو للدراسة، يقول أستاذ علم الاجتماع وعميد كلية الآداب في الجامعة الأردنية، الدكتور مجد الدين خمش في لقاء مع دويتشه فيلة: بأن "الأمر يعتمد بالدرجة الأولى على الفئة الاجتماعية التي تنتمي إليها أسرة الفتاه"، فالفئات أو العائلات الميسورة عموما حسب خمش تتقبل سفرها بتسامح، لاسيما إذا كانت الفتاة تملك الشخصية القوية وسعة الأفق، كما أن الكثير من هذه العائلات تعتبر هذه الأمر نوعا من تحقيق الذات والنجاح. ويذكر الدكتور خمش على سبيل المثال الجامعة الألمانية الأردنية التي تشمل شروط الدرسة فيها لزوم قضاء الطالب فصل دراسي في ألمانيا لإكمال متطلبات حصوله على شهادته الجامعية. وبما أن معظم طلابها من أبناء الفئات الميسورة، فإنهم لايبدون مانعا من سفر بناتهم.

وعلى غير ذلك يرفض أبناء الفئات الفقيرة وأصحاب الدخول المحدودة عموما فكرة اغتراب المرأة بمفردها رفضا قاطعا، حسب الدكتور خمش. ويأتي هذا الرفض "تحت مسميات العيب والشرف وضرورة مرافقة المرأة في السفر". ويشير خمش أن العائلات المنتمية لهذه الطبقة في الغالب، تعاني من ضيق الأفق والتمسك بعادات وتقاليد تضطهد النساء وتحاول حصر حرياتهن. وكمثال حي، التقينا مندوب المبيعات امجد ( 34 عام) ،وهو أب لطفلتين، يرى انه من المستحيل أن يقوم بإرسال واحدة من بناته لوحدها من أجل الدراسة في الخارج، والسبب يعود حسب رأيه إلى المغريات التي تقدمها الحرية للفتاه، وهي بعيدة عن أهلها، ويضيف امجد "المرأة عاطفية بطبيعتها ومن الممكن أن تكون فريسة سهلة للطامعين". أما عن مواقف أبناء الفئات الوسطى فيرى الدكتور خمش بأنهم "بين البينين".

"المستثمر في البنت، كساقي نبتة الجيران"

من ناحية أخرى يعتبر الدكتور منير كرادشة أستاذ علم الاجتماع في جامعة اليرموك أن الموقف من سفر الفتاة بمفردها لا يرتبط بالضرورة بالفئة الاجتماعية التي تنتمي إليها، فالأمر حسب رأيه يتعلق بحقيقة أن المجتمعات العربية مجتمعات بطريركية أبوية تميل إلى حصر دور المرأة وتقييد عملها في مجالات محدودة، وبالمقابل تعطي هذه المجتمعات للذكر النفوذ والقيمة والاعتبار. ويذكر كرادشة انه من منطلق "الحفاظ على شرف العائلة"، توضع المحاذير الاجتماعية على المرأة التي "يعتبر سلوكها الجنسي معيار شرف العائلة، وبخدشه تهان العائلة بأكملها".

الصورة د.ب.ا
ما تزال فكرة سفر الفتاة للدراسة أو العمل تحظى بتحفظ معظم أبناء المجتمعات العربية ولو بنسب مختلفة

​​ وحسب رأي الدكتور كرادشة فإن فكرة منع الفتاه من السفر للدراسة في الخارج بمفردها ترتبط بمقولة شائعة مفادها أن "المستثمر في الفتاة كساقي نبتة الجيران)، من منطلق أن البنت ستتزوج وتذهب إلى بيت زوجها، لكن كرادشة يرى أيضا في هذا السياق بأن اغلب العائلات التي توافق على سفر بناتها بمفردهن تتمع بمستوى حياة وبدخول عالية، إضافة إلى أن لديها ثقة عالية جدا ببناتها. وهذا ما ينطبق على عائلة أبو ديمة المكونة إلى جانب الأبوين من خمس بنات، ثلاث منهن يدرسن في الخارج بتأيد منه. وفي رده على سؤالنا، وهو طبيب ( 56 سنة)، عن سبب تأيده لدراسة بنائته في الخارج، أجاب بأن حق البنت في التعليم لا يقل إطلاقا عن حق الشاب، لان في التعليم حماية لها وضمان لمستقبلها، ويتساءل، "لماذا أقف في طريق حصولهن على مستوى متميز من التعليم؟ بما أنهن يمتلكن الشخصية القوية والأخلاق العالية، بالإضافة إلى أنهن قادرات على حماية أنفسهن".

" المرأة تستطيع إدارة شؤونها أكثر من الرجل"

على أرض الواقع تشير تجارب الكثير من الفتيات إلى أن المرأة قادرة على تدبير أمورها بشكل لايقل عن قدرة الرجل. وهذا ما تؤكد عليه الطالبة الفلسطينية سارة التي تدرس في إحدى الجامعات الألمانية. وترى سارة بأن الغربة علمتها أشياء كثيرة في مقدمتها الاعتماد على نفسها في تدبير شؤونها بدلا من الاتكال على آخرين، وعن تجربتها في الدراسة سواء في الأردن أو في ألمانيا، قالت الطالبة المغربية نوال، طالبة الدراسات العليا في الجامعة الأردنية الألمانية، بأنها تجربة جيدة وسعت من مداركها وساعدتها في التعرف على الثقافات المختلفة وتحمل المسؤولية. وتقارن نوال بين الأردن والمغرب على صعيد النظرة لسفر الفتاه بمفردها، إذ تقول بأن معظم المغاربة يتقبلون فكرة سفر الفتاة بمفردها طلبا للعمل أو العلم، وعلى العكس من ذلك فإن المجتمع الأردني يعارض عموما هذه الفكرة ويمقتها.

حنين أبو الروس
مراجعة: ابراهيم محمد
حقوق النشر: دويتشه فيله 2011

قنطرة

قراءة في ظاهرة تفشي العنف بين الشباب في الأردن:
هل هو امتداد لثقافة مجتمعية ترفض الآخر؟
ما هو لون كوفيتك؟ ما هو الفريق الذي تشجعه؟ وما اسم عائلتك؟ هذه الأسئلة تعبر غالباً عن الهوة العميقة بين الشباب في المجتمع الأردني. حنين أبو الروس استطلعت آراء بعض الخبراء والمعنيين حول خلفيات تفشي العنف بين الشباب الأردني.

رنا حسيني:
جرائم الشرف في الأردن
رنا حسيني تُقتل ثلاثون امرأة سنويا في الأردن لأنهن يتهمن بتلطيخ سمعة العائلة. المراسلة في المحاكم الأردنية رنا حسيني تقوم بتوثيق هذه القضايا وتسعى إلى خلق نقاش حول هذه الظاهرة في المجتمع الأردني. بترا تابيلينغ تعرفنا بها

التجربة الديموقراطية في الأردن:
بين الخوف السياسي والتضييق الإعلامي
قامت دينا الدجاني بتكليف من جامعة إنكليزية بمشروع للبحث والتقصي حول الديموقراطية والمجتمع المدني في الأردن، حيث جمعت معلومات وصوّرت بعض الأفلام، كما تعرّفت من خلال ذلك على مدى وحدود حرية التعبير عن الرأي في الأردن.