منع الصراعات وتأمين السلام

من الظاهر أن الأمم المتحدة ليست قادرة على مجابهة التحديات التي نواجهها اليوم كالإرهاب والفقر. مؤتمر دولي في بيترسبرغ بحث إمكانية إعادة النظر في القانون الدولي

منع الصراعات وتأمين السلام

بيترسبرغ، الصورة: أ ب

​​تعكس الأمم المتحدة وقطاعات أخرى معنية بالقانون الدولي الوضع بعد الحرب العالمية الثانية، والإجماع الدولي على أن نظاماً كالاشتراكية القومية النازية كان يلزم منعه بصورة فعالة. إن السؤال الذي يطرح نفسه الآن وبشكل متزايد، وخاصة بعد حرب العراق، هو إن كان هدف كهذا لا يزال يتمشى مع مقتضيات العصر، وإن كان يمكن بواسطته مواجهة المخاطر التي تعصف بالعالم اليوم: الإرهاب، أسلحة الدمار الشامل، والفقر، وهي بعض من كثير. يحظى هذا السؤال بمركز الثقل في المؤتمر الذي يستغرق يومين، الذي دعت إليه مؤسسة كونراد أديناور Konrad-Adenauer-Stiftung المقربة من الحزب المسيحي الديمقراطي CDU، ومعهد القانون الدولي بجامعة بون، في الفترة من 20 إلى 21 نوفمبر/تشرين الثاني، في بيترسبرغ Petersberg بالقرب من مدينة بون. تقرير بقلم بيتر فيليب.

لم يتم اختيار هذا التاريخ مصادفة، فالمرء يتذكر في نفس الوقت "اتفاقية بيترسبرغ" المبرمة في 22 نوفمبر/تشرين الثاني 1949، التي وضعت الأسس وعبدت الطريق أمام ألمانيا لاكتساب سيادتها. وحيث أن بون كانت مقراً للحكومة الديمقراطية في ألمانيا ما بعد الحرب، وهي الآن بصدد أن تصبح مدينة تضم مقار هيئات من الأمم المتحدة، فإن اختيارها لاستضافة هذا المؤتمر هو اختيار جيد، حسب رأي الجهة المنظمة. ولهذا ترى أن هذا المؤتمر سيكون مجرد بداية لسلسلة من اللقاءات المشابهة. يقول السكرتير العام للمؤسسة فيلهلم شتاوداخر Wilhelm Staudacher:"هدفنا هو جذب سلسلة منتظمة من مثل تلك المؤتمرات حول القانون الدولي إلى بون، فهذا سيساعد في إبراز صورة بون كمدينة للأمم المتحدة، كما يجب أن يستمر تطور بون كمقر للقانون الدولي، تصدر عنه النبضات التي تصب في المناقشات المعنية الجارية."

الخارطة السياسية تغيرت كليا

يرى المشاركون في المؤتمر أن إحدى نقاط النقص الإضافية تتمثل في أن بعض الأسس التي تقوم عليها الأمم المتحدة مبنية إلى حد بعيد على أوضاع القوى العالمية قرب نهاية الحرب العالمية الثانية، وأنها لهذا تتمحور حول أوربا بشكل كبير جداً: لم تكن كثير من دول اليوم قد استقلت عند تأسيس الأمم المتحدة. ولكن هذا الوضع الجديد لم ينعكس بعد بوضوح كاف في الأمم المتحدة. وهكذا لا يزال يتم البت في القضايا في مجلس الأمن من قبل الأوربيين والأمريكيين في المقام الأول، ولا توجد وصفة مقنعة لتغيير هذا الوضع: فإذا تم توسيع دائرة الأعضاء الدائمين، هناك خطر أن يختل نظام مجلس الأمن، ولا سيما أن الدول الأوربية، من غير الدول دائمة العضوية حتى الآن، تطالب بمقعد استشاري.

ويلزم كذلك فيما يخص مجلس الأمن، إعادة التفكير في حق النقض (الفيتو) – والذي أدخل، بالمناسبة، بناء على طلب الاتحاد السوفيتي سابقاً لخشيته من الأغلبية الغربية في المجلس.
يرى خبير القانون الدولي بجامعة بون رودلف دولتسر Rudolf Dolzer ، في الحاجة الملحة إلى التغيير، إشكالية أيضا: "إننا في مرحلة غريبة للقانون الدولي. فنحن نشعر من جهة –وخاصة في حرب العراق- أن الهياكل القديمة لم تعد على الأرجح صالحة للمستقبل حقاً، ولكن لدينا، من جهة أخرى - وهذا تشخيصي أنا على الأقل- قليل من الشخصيات العالمية، رؤساء دول وحكومات، الذين يهتمون فعلاً بالنظام العالمي، ويضعونه على جدول أعمالهم."

ورغم هذا اجتمعت نخبة رفيعة المستوى من خبراء القانون الدولي والسياسيين من 16 دولة في بيترسبرغ Petersberg لطرح تصوراتهم حول تحسين القانون الدولي والأمم المتحدة أيضاً. وقامت الجهات المنظمة بعد ذلك بتقييم المشاركات وتوفيرها للدوائر السياسية، التي ربما تتوصل من خلالها إلى نتائج خاصة بها. ومن المؤكد أن هذا لن يحدث بسرعة، ولكن: هذه مجرد بداية. و دولتسر Dolzer على قناعة بإمكانية بل وضرورة أن تكون البداية هنا، استناداً إلى الخبرات التاريخية الأوربية: "إذن إن التصور القائل بأن على العالم أن يتعلم من أوربا، حتى يمكن تحقيق تقدم بشأن منع الصراعات وتأمين السلام، ليس تصوراً خاطئاً. ولكن ينبغي علينا أيضاً مراعاة الطريقة التي تفكر بها دول العالم الأخرى."

بيتر فيليب، دويتشه فيلله 2003
ترجمة: حسن الشريف